الإسراف والتبذير هما من الأمور غير المستحبة عند الله. وقد تناول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم مسألة التبذير والمبذرين، حيث وصفهم بأنهم إخوان الشياطين.
تشكل ظاهرة التبذير والإسراف العديد من المشكلات والأضرار للأفراد الذين يمارسونها. في هذا المقال، سنبين الفرق بين التبذير والإسراف، وأيضا نوضح الأضرار الناتجة عنهما.
الإسراف
- الإسراف يعني الزيادة المبالغ فيها، حيث يُقال: أسرف في ماله، أي تصرف ولكن بدون قصد.
- هذا المفهوم يدل على تخطي الحدود المقررة، أي أن هناك مبالغة في الأمور.
- كذلك، يُعرَّف الإسراف على أنه صرف الشيء في أوجه لا يرغب بها الشخص.
- كما أشار الراغب إلى أن السرف يعني الخروج عن الحد المسموح به في كل ما يقوم به الفرد، بما في ذلك مسألة الإنفاق.
- وفقا للجرجاني، الإسراف يعني قيام الشخص بإنفاق الكثير من المال لأغراض تافهة، والتجاوز في النفقة.
التبذير
- من الناحية اللغوية، التبذير يعني إنفاق المال في غير محله.
- يمكن تعريف التبذير كذلك، على أنه تفريق المال بطرق إسرافية.
- الشخص المبذر يُعرف بأنه شخص يتسم بالمسرف في نفقاته.
- أما الأصل في هذا المفهوم فيشير إلى العمل على تشتيت الأشياء وتفريقها.
الفرق بين التبذير والإسراف
- الإسراف يعني صرف الشيء فيما يُناسب ولكن بصورة زائدة على حد الحاجة.
- فيما يتعلق بالتبذير، فهو صرف المال فيما لا ينبغي.
- يتضح هنا أن الإسراف والتبذير يشتركان في بعض المعاني، لكن لكل منهما خصائصه الخاصة.
الفرق بين الإسراف والبذخ
- البذخ يعبّر عن التفاخر والتعالي في الأفعال والكلام، مثل الإفراط في الأكل واللبس، مما يعكس إنفاقاً مبالغاً فيه.
- الفرد الباذخ هو من مفرط في الترف والرفاهية.
- بشكل عام، البذخ يُعتبر إسرافاً كبيراً مصحوباً بالتفاخر والتباهي.
- كلمة “بذخ” لها معنى آخر، يمكن أن تشير إلى ارتفاع الجبال، أو إلى الأشخاص ذوي الأجسام البدينة.
النهي عن التبذير والإسراف في القرآن الكريم
- قال الله سبحانه وتعالى: “وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينِ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا”، صدق الله العظيم.
- يقول ابن كثير إن التبذير والسفه يعنيان ترك طاعة الله وعصيانه، باعتبار أن الإنسان الذي ينكر نعمة الله يظهر إقبالاً على المعصية.
- ووفقاً للقاسمي، فإن في التبذير كفراً بنعمة المال، حيث يتم إنفاقه فيما لا يجوز، مما يُعتبر أمراً مخيفاً ومذموماً.
سور قرآنية تتحدث عن التبذير والإسراف
- ورد في سورة الأنعام: “وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أَكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانُ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ”.
- كلوا من ثمرة إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده، ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين، صدق الله العظيم.
- قال الطبري في تفسير الآية أن السرف المذكور هنا يشير إلى تجاوز الحدود في العطاء.
- وفي سورة الأعراف، قال الله تعالى: “يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تَسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”، صدق الله العظيم.
- وفسر السدي هذه الآية بأن الإسراف يعني عدم إعطاء الأموال الفائضة وتخفيض مستوى الدخل.
- كما أشار المارودي إلى أن إسراف الإنسان في كل شيء حتى ما يزيد عن الشبع يعد إسرافًا ضارًا.
- وبالمثل، ذكر السعدي أن الإسراف لا يرضي الله، لأنه يلحق الضرر بصحة الإنسان ومعيشته، وقد يجعله عاجزا عن القيام بما يلزم من الإنفاق.
- أبلغ الله تعالى عن الذين ينفقون دون إسراف أو بخل قائلاً: “وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا”، صدق الله العظيم.
- يقول ابن كثير أن هؤلاء الأشخاص لا يتجاوزون الحد في إنفاقهم ولا يقصرون في حقوق أهلهم.
النهي عن التبذير والإسراف في السنة النبوية الشريفة
- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا”.
- ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- وعن عمرو بن شعيب، أن رجلاً شكا إلى النبي قائلًا: “إني فقير ولي يتيم”.
- قال: “كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل”، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- فيما شرح النخعي هذا الحديث، أشار إلى ضرورة البساطة والاعتدال في الأطعمة والملابس.
- وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلوا واشربوا والبسوا ما ثم يخالطه إسراف أو مخيلة”، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أقوال العلماء في ذم التبذير ومدح التدبير
- قال القرطبي: “التبذير حرام”، استنادًا إلى قوله تعالى: “إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين”.
- وفسر هذا القول بأن المبذر قد أطاع الشيطان وتحرك وفق نزواته دون حساب.
- كما نقل ابن عباس أن القول بجواز الأكل واللبس يقتصر على ما لا يؤدي إلى إسراف أو مخيلة.
- وذكر الشافعي أن التبذير هو إنفاق المال بغير حق، مشددًا على عدم وجود تبذير في أعمال الخير.
- قال عمر بن الخطاب: “كفى بالمرء سوءًا أن يأكل كل ما اشتهى”.
التوسط في الإنفاق
- قال الله تعالى في سورة الإسراء: “وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا”، صدق الله العظيم.
- المقصود من هذه الآية هو دعوة الإنسان إلى اتباع الاعتدال في الإنفاق، فلا يبذر ولا يبخل على نفسه وعلى ذويه.
الآثار والعواقب السيئة للإسراف
- الإسراف قد يؤدي إلى عدم رضا الله عز وجل عن العبد، كما قال تعالى: “إنه لا يحب المسرفين”، صدق الله العظيم.
- الإسراف في الطعام يضر بالصحة ويدفع بالإنسان إلى الكسل.
- الإنفاق في غير موضعه يعرض الفرد للسؤال واللوم أمام الله يوم القيامة.
- كما قيل: “لا تزل قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عمره فيما أفناه، علمه فيمَ فعل، ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وجسمه فيم أبلاه”.