الصدقة الجارية التي قام بها المتوفى قبل وفاته
تُعتبر الصدقات الجارية من الأعمال التي تُستمرُّ ثوابها حتى بعد وفاة الشخص. تُعرف الصدقات الجارية بأنها “الصدقات التي حُبِسَ أصلها، واستمرت منفعتها”. وقد ورد في الحديث الذي رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله: (سبعٌ يجري للعبد أجرُهنَّ وهو في قبرهِ بعد موته: من علَّم علمًا، أو كرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفرُ له بعد مماته).
إن من يعلّم علمًا، أو يساهم في حفر نهر أو بئر، أو يغرس شجرة، أو يبني مسجداً، أو يترك مصحفًا يُقرأ، أو يكون له ولد صالح يدعو له بعد وفاته، سيحظى بصدقة جارية تظل مُستمرَّة الثواب بعد موته. فيما يلي أبرز أنواع الصدقات الجارية بالتفصيل:
علم يُنتفع به
لقد عظّم الله من شأن العلم والعلماء، فالعلماء هم ورثة الأنبياء. والمقصود بالعلم هنا هو العلم النافع الذي يُساعد الناس في دينهم، ويُعرّفهم بالله -سبحانه وتعالى- ويهديهم إلى الهداية، مما يُمكنهم من التمييز بين الحلال والحرام. وقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (سَلوا اللهَ عِلْمًا نافعًا وَتعوَّذوا بالله مِن علمٍ لا ينفعُ). عند وفاته، يستمر علم العالم في بث الأجر له، حيث يُسجل له كل ما قام بتعليمه أو كتابته.
ولد صالح يدعو له
يُعتبر الأبناء امتدادًا للآباء، حيث أن إنجاب ولد صالح أو بنت صالحة وتربيتهما السليمة يُسهم في فائدة الآباء حتى بعد وفاتهم من خلال دعاء الأبناء لهم. فكلما كان لهم أبناء أبرار، كانت استجابة الدعاء أكبر. القول الإلهي: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) يُظهر فضل الولد الصالح كنعمة من الله في الحياة وبعدها.
أعمال صالحة لا ينقطع أجرها
من بين الأعمال الصالحة التي لا ينقطع أجرها بعد الوفاة:
- إجراء الأنهار
يمكن للمسلم أن يقوم بحفر قنوات للمياه لتيسير وصولها للناس ولماشيتهم وزراعتهم، فالماء يعدّ أحد أسس الحياة. من يسهم في إيصال الماء للآخرين سيكون له أجر كبير في حياته، وهذا الأجر يستمر بعد وفاته. ومن هذه الأنشطة أيضًا مد المياه عبر الأنابيب إلى مناطق الحاجة أو وضع برادات مياه في المساجد.
- حفر الآبار
من يساهم بحفر بئر ينفع منه الناس والحيوانات سيجني ثمرة مغفرة ذنوبه واستمرار أجره. وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قوله: (بينما رجل يسير في طريقٍ، أُصيب بالعطش، فوجد بئراً فنزل إليها، وشرب ثم خرج، فإذا بكلبٍ يلهث، يأكل الثّرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلَغ هذا الكلب من العطش مثل ما بلَغ بي، فنزل البئْر، فملأ خفّه ثم أمسكه بفمه وسقى الكلب فشكر الله له فغفر له. قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرًا؟ قال: نعم، في كل ذات كبدٍ رطبةٍ أجرٌ).
- غرس النخل
من يغرس النخيل أو يزرع ما ينفع الناس، سيكون له صدقة جارية، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من مسلمٍ يغرسُ غرسًا أو يزرعُ زرعًا، فيأكل منه إنسانٌ أو طائرٌ أو بهيمةٌ إلا كانت له صدقة). ومن الشائع أن النخلة تبقى مغروسة وتستمر في منح الثمار حتى بعد وفاة زارعها، مما يجعل أجره مستمراً.
- بناء المساجد
المسجد هو بيت الله -عز وجل-، وقد أُذن له أن يُرفع ويُذكر فيه اسمه. من يقوم ببناء مسجد ابتغاءً لوجه الله، له الأجر كلما سجد فيه ساجد أو ذُكر الله فيه، وبذلك يُبنى له بيتٌ في الجنة. قال عثمان بن عفان -رضي الله عنه-: (إنكم قد أكثَرتم، وإنّي سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من بنى مسجداً لله -تعالى-، قال بُكير: حسبت أنه قال: يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتاً في الجنة).
- توريث المصحف
ويكون ذلك من خلال طباعة المصاحف والوقف بها في المساجد ومراكز المعرفة، فهي من الأمور التي يستمر أجرها حتى بعد الوفاة، وينال صاحبها الثواب كلما قرأها قارئ بار أو تأمل فيها.
أعمال صالحة يؤجر بها الميت من قبل الأحياء
إن أفضل ما يمكن أن يقدمه الأحياء للوفيات هو الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة. هناك أيضاً مجموعة من الأعمال الصالحة التي يمكن أن يقوم بها الحيّ ويهدي ثوابها للمتوفى، ومنها:
- الصدقة بجميع أشكالها
سواء كانت عبر المال، أو إطعام الطعام، أو التبرع بالملابس، أو غيرها. فقد ورد أن رسول الله كان يذبح شاةً ويقسّمها صدقة عن خديجة لصديقاتها.
- الحج أو العمرة عن المتوفى.
- قضاء ديونه
وهذا يُعد من أعظم الصدقات التي تُفعل بإخلاص، فقد روى عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أن امرأة من جُهينة جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالت: (إن أمي نذرت أن تحج ولكنها لم تحج حتى توفيت، فهل أحج عنها؟ قال: نعم، حجّي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين، كنتِ قاضيةً؟ اقضوا الله، فإن الله أحق بالوفاء). يدل هذا الحديث على ضرورة قضاء ديون المتوفين.
- قضاء الصيام عن المتوفى
فقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (من مات وعليه صيام فليصم عنه وليه).
- قراءة القرآن عن الميت
حيث يرى بعض أهل العلم أن إهداء ثواب القراءة يُفيد الميت.
الصدقة الجارية عن المتوفى
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له). لذا فإن الصدقة الجارية عن المتوفى تُعدّ من الأعمال التي تصل نفعها له في قبره، ويصل إليه أجرها سواء كان المتصدق من أهله أو أصدقائه، ومن صورها:
- الوقف.
- بناء المستشفيات.
- تخصيص منازل للضيوف والمحتاجين.
- دعاء الأقارب والأصدقاء للميت بالرحمة والمغفرة، وكل مسلم يدعو له بذلك.