تُعتبر بعض الأحاديث النبوية الشريفة تحفيزاً قوياً على أهمية العمل اليدوي، حيث يعتقد بعض المسلمين أن أداء الصلوات التطوعية وتلاوة القرآن الكريم خلال اليوم أفضل من السعي وراء الرزق. ومع ذلك، فإن الواجب على المسلمين هو البحث عن العمل وإخلاص الجهود في أداء وظائفهم على أكمل وجه.
أهمية العمل في الإسلام
- يُعتبر العمل عنصراً حيوياً، حيث يوفر للأفراد الاستقلال المالي، وهو هدف نبيل يسعى إليه الجميع.
- علاوة على ذلك، فإن العمل من شأنه مكافأة الإنسان على دعمه للآخرين، سواء كانوا من الأهل أو الغرباء، بل حتى إطعام الحيوانات يُعد عملاً يستحق التقدير. ميزة أخرى من العمل هي الشعور بالفخر والكرامة، حيث يمكن للإنسان تحقيق طموحاته دون الحاجة للتسول.
- عندما خلق الله تعالى الزمن، قسّمه إلى نهار وليل، وأمر الله المسلمين بالسعي للعمل خلال النهار والراحة ليلاً، كما ورد في القرآن: “وجعلنا الليل سباتا والنهار معاشا”.
- يُكرم العمل في الإسلام، ليكون له الأولوية حتى في الأوقات الحرجة. كما قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها”.
- وجلس النبي (صلى الله عليه وسلم) ذات يوم مع رفاقه وتحدثوا عن شاب كان يعمل في ساعات مبكرة من الصباح، وعقب الصحابة على أهمية استغلال وقته في عبادات بدلاً من ذلك.
- فقال لهم النبي (صلى الله عليه وسلم): “لا تقولوا ذلك، فإن عمله من أجل الاكتفاء الذاتي هو في سبيل الله، حتى وإن كان يسعى لكسب لقمة العيش لإعالة أسرته، فهذا هو العمل النبيل”.
- وكما قال عمر بن الخطاب، الخليفة الثاني للإسلام: “إذا كان الشغل مجهدة فإن الفراغ مفسدة”.
- من هنا يتضح لنا أهمية العمل في الإسلام وضرورة تشجيعه لتعزيز النمو في المجتمع، بالإضافة إلى سن قوانين لحماية العمال وضمان عدم تعرضهم للإيذاء أو الاستغلال.
حقوق العمل في الإسلام
- يجب على كل شخص قادر جسدياً في المجتمع أن يلبي احتياجاته الأساسية مثل الطعام، الماء، الملابس، المأوى، الصحة، والتعليم.
- وبما أن على كل فرد تلبية هذه الاحتياجات بنفسه وعائلته من خلال الوسائل المشروعة، فإنه يُعد العمل بمثابة الواجب، بينما يُعتبر التسول أمراً غير مستحب بالمرة إلا في حالات الضرورة القصوى. من هذا المفهوم، فإن العمل لتوفير الرزق يعتبر عبادة.
- وضع الإسلام إطاراً واضحاً لحقوق العمال وكيفية تأمينها وحمايتها، ويؤكد أنه من خلال احترام هذه الحقوق، يُظهر المرء ولاءه للخالق، لأن هذه الحقوق مُنزلة إلينا من الله تعالى وتوضحها رسالته من خلال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
- تُمثل هذه الحقوق تعبيراً عن الإيمان بالله الواحد الذي خلق البشرية واختبرهم من خلال أعمالهم، حيث لا يُرغب الله سبحانه وتعالى في استغلال أو إساءة معاملة خلقه.
- وقد وجّه النبي (صلى الله عليه وسلم) بضرورة الابتعاد عن الاستغلال والظلم، بل يجب أن تكون المعاملة العادلة والإنصاف أساس جميع العلاقات الإنسانية.
- يقول الله تعالى في القرآن الكريم: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (سورة الزخرف 43:32).
- ختاماً، سيُجمع الإنسان أمام ربه، وسيُحاسب إذا انتهك حقوق خلق الله، وخاصة إخوانه من البشر، لذا ينبغي أن يُعامل العمال بكرامة وشرف، بغض النظر عن طبيعة الأعمال التي يقومون بها ضمن إطار قانوني.
حقوق العمل الإسلامية المتعلقة بعلاقة صاحب العمل بالموظفين
- التساؤل المهم هنا هو: ما هي العلاقة بين صاحب العمل والموظف؟ نعم، أحدهما يقدم العمل والآخر يدفع الأجر، ولكن هل هذه مجرد معاملات ميكانيكية؟ أم أن هناك أبعاد أخرى أكثر عمقاً تعود للعمل والمال؟
- الإجابة تكمن في أن الله تعالى غرَس قيمة العدالة والمحبة والكرامة حولنا، حيث أراد من أصحاب العمل أن يحترموا موظفيهم انطلاقاً من مبدأ الأخوة.
- من هذه المبادئ، أكد النبي صلى الله عليه وسلم أن الموظف هو أخو الإنسان، أخو في الإيمان، وبالتالي يجب معاملته باحترام.
- يجب أن يتسم أصحاب العمل والموظفون بالأمانة وأن يتعاملوا مع بعضهم البعض بإنصاف واحترام.
- عدم الاحترام في عالمنا اليوم يُعتبر أكبر خيانة للعمال، مما يُفتح المجال لسوء المعاملة والاستغلال. العلاقة القوية القائمة على الأخوة ستظهر أفضل ما لدى الطرفين، حيث أن الموظفين الذين يُعاملون باحترام وكرامة يميلون غالباً للعمل بجد ونزاهة.
- وعلى نفس السياق، فإن صاحب العمل الذي يتسم بوقاحة وعدم احترام لموظفيه لن يتمكن من الحصول على أفضل ما لديهم؛ بل سيسعى الموظفون للعودة إلى بيئة عمل تدعمهم بدلاً من إلحاق الضرر بها.
حقوق العمل الإسلامية المتعلقة بالتعويض
- في الإسلام، من الضروري تقديم تعويض مناسب عن العمل المنجز. إن عدم دفع أجر عادل للعمال يعد من الأمور غير الإسلامية على الإطلاق.
- روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)، وفي رواية أخرى: (حقه) بدلاً من (أجره) كما رواه ابن ماجه وصححه الألباني، هذا الحديث يحمل معنى عميق ومباشر.
- يجب دفع رواتب العمال في الوقت المحدد، فإذا تم الاتفاق مع شخص للقيام بمهمة معينة، فيجب أن يتم الدفع على الفور، وإذا كان هناك عقد يقضي بدفع الأجر أسبوعياً أو شهرياً، فيجب الالتزام بذلك.
- كما يجب أن يتضمن الاتفاق تفاصيل التعويض وأن يلتزم كلا الطرفين بجزء عقدهما، ومهم جداً أن نفهم أن مجرد موافقة العامل على أجر معين لا يعني أن شروط العمل تم الإتفاق بشأنها بشكل عادل.
- تُعتبر العوامل الاجتماعية والاقتصادية ضروريات تأتي غالباً مع الطموح لتحسين الوضع المعيشي، وغالباً ما يُعاني بعض الأفراد من ضغوط هائلة لتحصيل لقمة العيش في بيئة تطبق قوانين استغلالية.
- في الإسلام، يتم التأكيد على أهمية دعم العدالة والإنصاف في جميع الأوقات، كما قال الله تعالى في القرآن: “وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ”.
أحاديث نبوية تحث على العمل اليدوي
يتوجب التأكيد على وجود العديد من الأحاديث النبوية التي تبرز فضل العمل وتحفز عليه، ومنها:
- “إن لله عباداً اختصهم لقضاء حوائج الناس، حببهم للخير وحبب الخير إليهم، أولئك الناجون من عذاب يوم القيامة”.
- “لأن تغدو مع أخيك فتقضي له حاجته خير من أن تصلي في مسجدي هذا مائة ركعة” • “من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له”.
- “خير الناس أنفعهم للناس” مما يدل على الفائدة العامة للجميع وليس للمسلمين فقط.
- “المال مال الله والناس عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله”.
- “تبسمك في وجه أخيك صدقة” مما يبرز مكانة التصدق المعنوي في الإسلام الذي قد يكون بعض الأفراد بحاجة له أكثر من التصدق المادي.
- “مازال جبريل يوصني على الجار حتى ظننت أنه سيورثه”.