تعد الأمانة من القيم الأخلاقية الأساسية التي تسهم في تعزيز الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع بمختلف شرائحه، وتحقيق الخير في الدنيا والآخرة. ونظرًا لأن الأمانة تتعلق بالأخلاق، فإننا نطرح تساؤلًا حول العلاقة بين الأمانة والإيمان. من خلال هذا المقال، سنستعرض الإجابة على هذا التساؤل وسنوضح الارتباط الوثيق بين الأمانة والإيمان.
ما هي الأمانة؟
غالبًا ما يرتبط مفهوم الأمانة في أذهان الكثيرين بإعادة الودائع إلى أصحابها، ولكنها في الواقع تشمل جوانب أوسع بكثير. فالأمانة تعني في اللغة والنحو إخلاص العهود والوفاء بها، والتأكد من الحفاظ عليها، والالتزام بكل ما يلزم الفرد أداؤه. وهي أيضًا تشمل حفظ الأسرار وعدم انتهاك حقوق الآخرين، بجانب إدراك أهمية ذلك والتعامل معه بجدية، حيث أكدت التعاليم الإيمانية على وجوب القيام بالأمانة على أكمل وجه.
الأمانة في القرآن والسنة
أكد القرآن الكريم على أهمية الأمانة وحتمية الالتزام بها في العديد من الآيات. إليكم بعض ما ورد في هذا الصدد:
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}
- {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}
- {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}
- {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}
أما عن السنة النبوية، فهناك العديد من الأحاديث التي تحث على أداء الأمانة بكل ما تحتويه من معاني. ومن بين هذه الأحاديث:
- “جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسَلَّمَ فقالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، ابْعَثْ إلَيْنَا رَجُلًا أَمِينًا. فقالَ: لأَبْعَثَنَّ إلَيْكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقًّا أَمِينًا، فاستشرفَ لها الناسُ، فبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ.”
- ما رواه الإمام البخاري في صحيحه: “أَخْبَرَنِي أبو سُفْيَانَ، أنَّ هِرَقْلَ قَالَ له: سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ: أنَّه أمَرَكُمْ بالصَّلَاةِ، والصِّدْقِ، والعَفَافِ، والوَفَاءِ بالعَهْدِ، وأَدَاءِ الأمانةِ. قَالَ: وهذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ.”
- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “المُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلِمونَ مِن لسانِه ويدِه، والمُؤمِنُ مَن أمِنَه النَّاسُ على دِمائِهم وأموالِهم.”
أشكال الأمانة
يمكن تصنيف الأمانة إلى أمانة تتعلق بحقوق الله تعالى وأمانة تتعلق بحقوق العباد، ويتم توضيح ذلك في النقاط التالية:
- توزيع الدين للناس يعتبر من الأمانات التي يتحملها المسلم، كما فعل الرسل عليهم السلام، وجميع العلماء والدعاة من بعدهم.
- الأمانة في العبادات التي قام بتكليفنا بها الله، وتشمل الفرائض وأركان الإسلام والإيمان.
- عدم التعرض لأموال الآخرين، أو استغلال الموارد الخاصة بالعمل.
- تسليم الأموال لأصحابها وذوي الحقوق فيها.
- حفظ أعراض الناس، حيث أن هذه الأعراض أمانة لا يملك أي شخص الحق في انتهاكها.
- حفظ أرواح وأجساد البشر كأمانة يجب أن لا يتعرض لها أي شخص بالأذى أو الضرر.
- العلم والمعرفة يمثلان أمانة تقتضي على من يسعى للحصول عليها أن يكتسبها بالشكل الصحيح، وأن يُعلمها للآخرين دون تحريف أو تبديل.
- الكتابة، خاصة كتابة الحقائق، ينبغي أن تتم وفق المعايير المناسبة دون أي تلاعب أو تزوير.
- أي نقل للرسالة، سواء كان ذلك لفظيًا أو مكتوبًا، يجب أن يكون دقيقًا وأمينًا دون أي تحريف.
- صالات العمل المتعلقة بالدولة تتطلب الالتزام بها، والحفاظ على الأسرار المتعلقة بالعمل الحكومي.
- الشهادة تُ يعتبر من الأمانات الهامة التي يجب أن يتحملها الفرد بأمانة.
- سرية المعلومات وحفظ خصوصية الآخرين من الأمانات الضرورية.
- الحواس هي أمانة من الله ينبغي عدم استخدامها في المحرمات، بل يجب الحفاظ عليها كما ينبغي حفظ اللسان من الألفاظ المحرمة وغض البصر.
- رعاية الأهل والأبناء والزوج أو الزوجة وكل من له حقوق رعاية تعتبر من الأمانات الحيوية.
- الإتقان في الأعمال التي كلفنا الله بها ينبغي أن يكون على أعلى مستوى.
على المؤمن أن يسعى لاكتساب خلق الأمانة ويعلم نفسه التمسك بها لتحقيق النجاح في الدنيا والأخرة، بالإضافة إلى أن يقوم بتوجيه من حوله إلى التزام بهذا الخلق وإعداد الأجيال القادمة على مبادئه، مع تذكير نفسه بواجباته وتحذيره من عواقب خيانة الأمانة.