تُعتبر أسباب الهجرة النبوية من الموضوعات المهمة في تاريخ الدعوة الإسلامية، حيث جاء هذا القرار بعد صعوبات كبيرة واجهها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وزوجاته، نتيجة المعاناة الجسيمة والعداء الشديد من قبل أهل قريش في مكة المكرمة. وقد أشار ورقة بن نوفل للنبي من اللحظة الأولى التي نزل فيها الوحي أنه سيضطر لترك منزله وبلاده والهجرة، وهو ما كُتب على الأنبياء. في هذا المقال، سنتناول أسباب الهجرة النبوية، فلنواصل معًا.
حديث ورقة بن نوفل
كان ورقة بن نوفل ابن عم السيدة خديجة رضي الله عنها، وواحدًا من العلماء الذين درسوا الدين المسيحي. وعندما نزل الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، توجهت السيدة خديجة معه إلى ورقة بن نوفل ليخبرهما عن ما حدث في غار حراء. فقال ورقة للنبي الكريم:
“هذا النامُوسُ الذي نزل الله على موسى، يا ليتني كنتُ فيها شابًا، ليتني كنت حيًّا عندما يخرجك قومك”. فسأل النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “أومخرجيّ هم؟”، فأجاب ورقة: “نعم، لم يأتِ رجلٌ بمثل ما جئت به إلا وعُودي، وإن أدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا.” ولم يمضِ وقت طويل قبل أن يُفارق ورقة الحياة.
وقد ورد ذلك في مسند أحمد وصحيح البخاري. وفي تلك اللحظة، أدرك النبي أن طريق الدعوة سيكون مليئًا بالمخاطر، في سعيه لنشر الرسالة السماوية وغرس الهدى في نفوس البشر.
أسباب الهجرة النبوية
أولًا: رفض الدعوة من أهل قريش
كان أهل قريش يتبعون ثقافة دين متعددة الآلهة، حيث انتشرت عبادة آلهة متعددة مثل اللات والعزى ومناة. في هذا السياق، حاول النبي الكريم توجيه قومه نحو ترك عبادة الأوثان والاعتناق لدين الله الحق الذي يعبر عن وحدانية الله.
لكن هذه الدعوة قوبلت برفض شديد من قبل قريش، وذلك في وقت كان الحج يجذب أعدادًا كبيرة من أصحاب الديانات والطوائف إلى مكة، ما جعل كبار قريش يخشون تأثيرها السلبي على موسم الحج والتجارة المرتبطة به.
استمر النبي في جهوده لإقناع أهل مكة بالدخول إلى الإسلام، لكن استجاب عدد قليل فقط لدعوته، ما جعله يتخذ قرار الانتقال إلى المدينة لمتابعة نشر الدعوة منها.
ثانيًا: ترحيب أهل المدينة بقدوم النبي والدعوة
خلال موسم الحج، التقى النبي بخمسة أشخاص من يثرب (المدينة المنورة) كانوا من قبيلة الخزرج، وقد أُرشدوا إلى الإسلام وبايعوا النبي. في العام التالي، حضر اثنا عشر رجلًا من قبائل الأوس والخزرج وبيّعوا النبي بيعة النساء.
قام النبي بإرسال أحد الصحابة، ابن أم مكتوم، إلى المدينة للتعريف بالإسلام. كانت المدينة المنورة مهيأة لاستقبال النبي والرسالة، في حين أصبحت مكة مكانًا يعادي فيه أهلها النبي وأصحابه.
ثالثًا: عداء أهل مكة للنبي والرسالة
واجه النبي وصحابته أشكالًا قاسية من التعذيب والمضايقات من أهل مكة، حيث سعت قريش لتدمير الدعوة وإخماد نورها. تعرض النبي لعدد من الادعاءات مثل أنه مجنون أو شاعر أو يأخذ من أساطير الأولين.
وحينما حاول النبي إبلاغ قريش برسالته، واجه أولاً تحديات جسيمة؛ إذ دعا عبر كبار قريش محذرًا إياهم من عذاب آتٍ. وعند هذا اللقاء، أظهر أبو لهب عداءً فاضحًا، ووردت الآيات التي تُشير إلى هذا.
تجسدت العداوة بين النبي وأهل مكة لتصبح واضحة في مجموعة من المواقف، مثل الحادثة التي وقعت في حجر الكعبة. وقد تعرّض النبي وصحبه، ومن ضمنهم بلال بن رباح، لأساليب قاسية من التعذيب. وسجل التاريخ أول شهيدة في الإسلام، وهي سميَّة، أمُّ عمَّار، التي لقيت حتفها بسبب التعذيب.
كل الأنبياء كُتبت عليهم الهجرة
من الضروري فهم أن الدعوة تحتاج إلى التنقل، ولذلك فرض الله على جميع الأنبياء الهجرة، حيث نجد أن قصص الأنبياء تُظهر هجراتهم من أوطانهم إلى مواقع أخرى مثل نوح ولوط وموسى وغيرهم، عليهم جميعًا السلام.