فهم صغائر وكبائر الذنوب
- تعددت آراء العلماء حول تحديد الفروق بين صغائر الذنوب وكبائرها، وقد انتشرت مناقشاتهم بشكل واسع. وبمجرد فهم تعريف الكبائر، يصبح من السهل التعرف على الصغيرة. قسّم الفقهاء الذنوب إلى أنواع متعددة، من بينها الصغائر والكبائر، كما أشار إلى ذلك ابن القيم -رحمه الله-. يُعرف الذنب العظيم بأنه تلك الذنوب التي تظل دون الشرك أو الكفر، بحيث إذا انتهى الأمر بصاحبها من دون توبة، فإنه سيكون مستحقاً للعذاب بتقدير الله. وإذا أراد الله أن يعاقب مرتكبها، فلن يكون مخلداً في النار. ووفقاً للقرطبي -رحمه الله-؛ “الكبيرة هي كل ذنب مُعاقب عليه بنار، أو غضب، أو لعنة، أو عذاب”.
- أما بالنسبة لصغائر الذنوب، والمعروفة أيضاً بالسيئات، فهي أقل خطراً من الكبائر. يمكن أن يغفر الله تعالى هذه الذنوب دون الحاجة لتوبة معينة، وقد أعد لها الله مكفرات عديدة تمحو هذه السيئات. وقد قيل أن التمييز الأبرز بين الكبائر والصغائر يتضمن أن الصغيرة هي ما دون الحدود في الدنيا والآخرة. هذا ما عرّفه ابن عباس رضي الله عنه ووافقه عليه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، إذ إن الصغائر هي كل ذنب لم يستوجب حدًا في الدنيا، أو وعيدًا في الآخرة، وكانت مفسدته أقل.
أمثلة على صغائر الذنوب
تتجلى صغائر الذنوب في أشكال متعددة، وكل ذنب يعتبر أقل من الكبائر يُصنف ضمن الصغائر. لذلك، لا يمكن حصرها، وإن كانت بعض الأمثلة المذكورة هنا تهدف إلى التنبيه، وليس للحصر. وفيما يلي بعض هذه الأمثلة:
- الصلاة في الأوقات المنهي عنها.
- اقتناء كلب دون حاجة معتبرة شرعًا.
- إدخال النجاسة إلى المسجد.
- استقبال القبلة بالبول أو الغائط.
- الكلام أثناء خطبة الإمام.
- البيع في وقت النداء لصلاة الجمعة.
- إمامة من يكرهه الناس.
- خِطبة المسلم على خِطبة أخيه.
- هجر المسلم.
- كثرة الخصومات.
- استماع الغيبة.
كيف تتحول الصغائر إلى كبائر؟
تظل صغائر الذنوب في نطاق الصغائر ما لم تتوفر أحد الأمور التالية:
- إذا كان مرتكب المعصية من العلماء الذين يُحتذى بهم؛ فإنه يتحمل وزر الآخرين إذا اقتدوا به.
- الإعلان عن صغائر الذنوب بين الناس، والاستخفاف بخطرها.
- تكرار نفس الصغائر مع الإصرار عليها.
- الاستخفاف بستر الله -تعالى- للعبد.
- الاستهتار بفعل الصغيرة.
كيفية تكفير صغائر الذنوب
أتاح الله تعالى طرقًا متعددة لتكفير الذنوب، تشمل اثنتين رئيسيتين. الأولى تتعلق بالحسنات التي تمحو السيئات، والثانية تتعلق بالابتعاد عن الكبائر. وهذا يُظهر رحمة الله بعباده، كما جاء في الآية الكريمة: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا}. وقد أكد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على أن من أسباب تكفير الذنوب التوبة الصادقة بقوله: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له). كما تعتبر أعمال مثل إسباغ الوضوء، أداء الفرائض، المشي إلى الصلاة، انتظار الصلاة، وصيام شهر رمضان المبارك من وسائل تكفير السيات. فقد ورد عن النبي أنه قال: (مَن صَامَ رَمَضَانَ، إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ). كذلك، فإن الابتلاءات والمصائب التي تصيب الإنسان تُستخدم كوسيلة لتكفير الذنوب، حيث قال النبي: (ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ وَلَا وصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أذًى وَلَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ).