إذا أمعنّا النظر في دور العلم والعلماء في الجزائر خلال فترة الحكم العثماني، يتضح أن العلماء كانوا يحظون بمكانة مرموقة في كلا الجانبين الاجتماعي والسياسي خلال تلك الحقبة. تعتبر هذه الفترة إحدى الفترات التي أثرت بشكل إيجابي على المجتمع المسلم، إذ كانت الجزائر بمثابة معقل للمجاهدين ودرع للحدود. ومن خلال هذه المقالة، سنستعرض دور العلم والعلماء في هذه الحقبة الزمنية.
مكانة العلماء في الجزائر خلال العهد العثماني
تمتع العلماء خلال هذه الفترة بمكانة بارزة في الحياة السياسية بين الحكام والشعب. وقد شغلوا مناصب سياسية هامة أثرت في مجريات الأحداث.
تميزت تلك الفترة أيضًا بالصراع ضد الاستعباد، حيث انقسمت الأراضي بين جبهة السياسيين الذين يستندون إلى القوة والسلاح، وجبهة العلماء ورجال الدين الذين تستند سلطتهم إلى الشرعية الدينية.
لقد شارك العلماء ورجال الدين في مجالات الحياة المختلفة؛ حيث عملوا في التعليم بالمراكز التعليمية التقليدية، وشاركوا في قيادة الجيوش، وتنوعت مهامهم بين العمل في الحرف والمهن، وحتى القضاء وحماية الحدود.
أدى ذلك إلى أن يُلقبهم المؤرخون بـ “رجال الحكم والسياسة”، وكان لهم دور بارز في تحرير الجزائر من الاستعمار الإسباني، مما جعل الحكام يعتمدون عليهم في تعزيز دعائم دولتهم.
الأثر الكبير للعلماء في الجزائر خلال الدولة العثمانية
كان للعلماء تأثير واسع في مختلف مجالات الحياة خلال العهد العثماني، حيث تميزوا بالدور الكبير الذي لعبوه، ومن أبرز هذه الأدوار:
1- الدور الديني للعلماء في الجزائر
شهد المغرب الإسلامي تحديات عدة في الحياة الاجتماعية، لا سيما بعد سقوط الأندلس على أيدي الإسبان. من ضمن هذه التحديات كانت ظاهرة التكفير التي كادت تهدد تماسك المجتمع الإسلامي.
في هذه الظروف، برز مجموعة من العلماء الذين سعوا للحفاظ على تعاليم الدين الإسلامي والدفاع عنه أمام الضغوطات التي كانت تُمارس من قبل المتطرفين الذين حاولوا تكفير المجتمع الإسلامي بأسره.
بالإضافة إلى ذلك، لعب العلماء دورًا هامًا في مواجهة الآفات الاجتماعية كالإدمان على الخمر، الذي أدى إلى انتشار الفواحش، بالإضافة إلى الجدل حول شرب الدخان، حيث اختلفت الآراء في تحريمه.
وانطلق العلماء في نشر الوعي بضرورة الابتعاد عن هذه السلوكيات من خلال المناقشات في المقاهي والشوارع والساحات العامة، مما دفع البايات والبشوات لتنظيم مجالس تركز على هذه الموضوعات.
2- الدور السياسي للعلماء في الجزائر
تطورت الحياة السياسية في الجزائر خلال العصر العثماني، في ظل النزاعات السياسية الداخلية والخارجية، حيث عمل العلماء على مواجهة هذه التحديات وحلها لمنع نشوء الفتن والصراعات.
عرفت الجزائر كثيرًا من الأحداث التاريخية خلال العهد العثماني، وجاءت مساهمات العلماء لتوثق هذه الأحداث في كتبهم ومؤلفاتهم، رغم الضغوطات التي كانت تفرضها الحكومة.
يرى العلماء أن العلاقة بين الحاكم العثماني والمثقفين لم تتطور بالشكل المطلوب، مما أثر على الهوية ورابط الجزائريين مع كيانهم السياسي ودول المغرب العربي الأخرى.
3- الدور الاجتماعي للعلماء في الجزائر
حظي موضوع المرأة ودورها في تنشئة المجتمع باهتمام كبير من العلماء والفقهاء المسلمين، حيث بادروا إلى توضيح الأحكام الشرعية والقواعد التي ينبغي على النساء الالتزام بها في سلوكهن وعلاقتهن الاجتماعية.
تشير الأدلة إلى الظروف الاجتماعية الصعبة التي كانت تعيشها النساء في الجزائر، وخصوصًا في المناطق الريفية، التي عانت من الجهل الديني.
تتجلى هذه المعاناة في انتشار سلوكيات سلبية مثل السلب والنهب والتمسك بالعادات الجاهلية، مثل حرمان المرأة من حقوقها في الإرث، حيث كان يرث الأخ الزوج المتوفي دون أن يُعطى حق للزوجة.
على العكس، كانت حياة النساء في المدن تتسم بنمط مختلف، حيث كن يخرجن إلى الشوارع ويزورون الحمامات. وقد حرص العلماء على توجيه النساء للحد من تنقلاتهن خارج المنازل نظرًا لما كان يحدث من فتنة، فدعوا إلى نبذ التبرج والعطر.
بشكل عام، تجسدت حياة المجتمع الجزائري خلال العصر العثماني في أوقات عصيبة مليئة بالأزمات، خاصةً بسبب الحروب التي شنتها الإسبان. بيد أن العلماء المسلمين بذلوا جهدًا كبيرًا للحد من تلك الأزمات.