أبو محمد عبد الجبار بن حمديس الصقلي
يُعتبر أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن حمديس الصقلي الأزدي من أبرز الشعراء العرب في حقبة الأندلس. ورغم انتمائه لقبيلة الأزد، إلا أنه لم يتفاخر بنسبه بل أبدى فخره بمكان نشأته في بني الثغر، مما يعكس عزة الانتماء إلى الوطن.
شارك ابن حمديس في العديد من الغزوات والمعارك التي جرت في مدينة سرقوسة بجزيرة صقلية، وذلك خلال فترة الحكم الإسلامي لها.
أصول نشأة ابن حمديس الصقلي
تتميز نشأة هذا الشاعر الكبير بخصوصيتها، حيث نشأ في:
- أسرة تتمتع بالتدين والالتزام الديني.
- كان والده وجده من الشخصيات المعروفة بالتقوى والإيمان القوي.
- أحاطت به بيئة ثقافية ودينية وأدبية.
- أظهر منذ صغره شغفًا بالعلم والمعرفة ما ساهم في توسيع آفاقه الثقافية.
- تفوق في العديد من العلوم مثل النحو واللغة والعروض والتاريخ.
هجرته إلى الأندلس
بعد نشأته في صقلية، شهدت المدينة سقوطها بيد النورمان، مما دفع ابن حمديس لتركها والهجرة إلى الأندلس.
كانت الأندلس بمثابة الوطن البديل له، إلا أنها كانت دائمًا تفسح المجال لذكرياته المؤلمة بخصوص موطنه الأصلي. ورغم مكانته المرموقة هناك ومحبته من قبل أهل الأندلس، لم يكن بإمكانه التخلص من حنينه إلى مسقط رأسه.
كان يقضي أيامه في استكشاف حدائق الأندلس الجميلة، وفي الليل كانت تسيطر عليه مشاعر الحنين إلى موطنه.
تواصله مع المعتمد بن عباد
بعد وصوله إلى الأندلس، التي كانت مقسمة إلى اثنين وعشرين دولة بعد انهيار الخلافة الأموية، التقى ابن حمديس بأمير إشبيلية، المعتمد بن عباد، المعروف بشغفه بالشعر والشعراء.
استقبله الحاكم بحفاوة وكرم، مما ساهم في تعزيز مكانته بين الأدباء والعلماء. وقد أكرم ابن حمديس بالمكافآت المالية ووفّر له مكانة خاصة في ديوانه.
توقيت الغربة الجديدة
بعد استقراره في إشبيلية، حيث كان يحظى بمودة المعتمد بن عباد، حدث تغيير مفاجئ؛ حيث سقطت الأندلس بيد المرابطين، وتم أسر الحاكم ونفيه إلى المغرب.
ظل المعتمد في تواصل مع أصدقائه عبر رسائل وأشعار، وكان ابن حمديس من أبرز هؤلاء الأصدقاء.
فشعر ابن حمديس بالحزن العميق وقرر مغادرة الأندلس، مما زاد من معاناته من الغربة. لكنه تواصل مع المعتمد، محاولًا تخفيف آلامه عبر نظم قصائد تحث على الصبر.
أساليب ابن حمديس الشعرية
تتميز أشعار ابن حمديس بتنوع فنونها، ومن أبرز المجالات التي كتب فيها:
- قصائد الرثاء.
- قصائد المدح، خاصةً مدح الأمراء والملوك.
- غزل يمزج بين الجمال والعاطفة.
- قصائد تعبر عن الحنين إلى الوطن ومعاناته.
- أبيات حكيمة تجسد بعده الديني والعقلي.
- وصف البيئة والمظاهر، شاعراً في استخدامه للغة الفصيلة.
- تميز بأسلوبه الفريد في اختيار الكلمات والمعاني الجميلة.
هجرته إلى أفريقيا
بعد وصوله إلى المغرب العربي، واجه ابن حمديس صعوبات مالية، مما دفعه لاتخاذ القرار بالسفر إلى أفريقيا، حيث قام بكتابة قصائد مدح للحكام وزعماء ذلك الوقت.
من بين الشخصيات التي كتب فيها كان يحيى بن تميم الصنهاجي وابنه الحسن، إضافة إلى ابن علي. كما نظم قصائد مدح في بني حماد بمدينة بجاية، مما أتاح له تكوين ثروة جديدة بعد الأزمات التي مر بها.
وفاة ابن حمديس الصقلي
توفي ابن حمديس الصقلي في عام 527 هجري، الموافق 1133 ميلادي، عن عمر يناهز الثمانين عامًا بجزيرة ميورقة، حيث دفن بجوار الشاعر الكبير ابن اللبانة. عانى في سنواته الأخيرة من أمراض وضعف في جسده، مما أثر على بصره وصحته.