تتناول نظرية التوقيف والإلهام الفهم القائل بأن اللغة تعد غريزة فطرية منحها الله سبحانه وتعالى للإنسان. وقد استند مؤيدو هذه النظرية إلى أدلة فطرية مستمدة من القرآن الكريم. في هذا المقال، سوف نستعرض نظرية التوقيف والإلهام وكيف يتم تفسير تنوع اللغات بحسب هذه النظرية.
نظرية التوقيف والإلهام
يعتبر أنصار هذه النظرية أن اللغة هي إلهام إلهي، حيث يعتقـدون أن الله تعالى هو الذي ألهم البشر بهذه اللغة، وليس للإنسان دور في صياغتها. وقد دعم العديد من العلماء هذا الرأي، معتمدين في أدلتهم على القرآن الكريم وآياته. ومن أبرز الآراء المتعلقة بمسألة اللغة هل هي توقيف من الله أم أنها من صنع البشر نجد:
- تعتبر اللغة توقيفية من الله عز وجل، إذ أنها وحي إلهي مكّن الإنسان من التعلم والنطق.
- فيما قال به عبد الله بن عباس رحمه الله والإمام السيوطي رحمه الله من مؤيدي هذه النظرية.
تبرير اختلاف اللغات وفقاً لمؤيدي النظرية
قدّم مؤيدو هذه النظرية تبريرات عديدة مستندة إلى آيات قرآنية، ومن الآيات التي استخدموها لتبرير موقفهم ما يلي:
- قوله تعالى في سورة البقرة: {علم آدم الأسماء} والذي يدل على أن هذه اللغة توقيفية لأن الله سبحانه وتعالى هو من علّمها لآدم.
- وكما قال تعالى: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان} [النجم: 23]، وهو دليل على أن الأسماء توقيفية من الله.
- وأشار أيضاً إلى قوله: {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين} [الروم: 22]، حيث يعتبر اختلاف الألسن دليلاً على كونها توقيفية.
- إضافةً إلى استنادهم إلى القرآن الكريم، أشار مؤيدو هذه النظرية إلى أن التبرير العقلي بأن الاصطلاحات استحدثت من خلال التفاهم بين البشر غير صحيح، لأن أي اصطلاح يحتاج إلى لغة سابقة.
الاعتراضات على نظرية التوقيف والإلهام
تواجه نظرية التوقيف والإلهام عدداً من الاعتراضات، ومن أبرزها:
- يقول بعض المعارضين إن الاستناد إلى آية {وعلم آدم الأسماء} قد يكون دليلاً ضد هذه النظرية، حيث تشير إلى أن آدم هو من وُضِع له هذه الأسماء.
- لو كانت اللغة توقيفية، كما يزعم مؤيدو نظرية التوقيف، فلن يظهر فيها العديد من المصطلحات المختلفة التي تتغير بمرور الزمن.
نظريات أخرى حول نشأة اللغة
بجانب النظرية التوقيفية والإلهام، التي تشير إلى أن اللغة هي غريزة وإلهام إلهي، يستند مؤيدو هذه النظرية إلى قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها وعرضها على الملائكة}، حيث فسر ابن عباس رضي الله عنه هذه الآية بأنها تشير إلى الأسماء التي يتحدث بها البشر اليوم. وقد أشار ابن فارس اللغوي إلى وجود نظريات أخرى حول نشأة اللغة، كما توجد نظريات عديدة تعكس تنوع الآراء بين اللغويين، ومن بينها:
1- نظرية المحاكاة والتقليد
يعتقد مؤيدو هذه النظرية أن الإنسان قد قام بتقليد الأصوات الموجودة في الطبيعة من حوله، مثل أصوات الحيوانات وأصوات الرياح والمياه، حيث إن أصل اللغات يعود إلى هذه الأصوات.
2- نظرية التطور اللغوي
تستند هذه النظرية إلى الأفكار العامة لتطور الدارونية، حيث يُعتقد أن اللغة تتطور كما ينمو الطفل، مما يعني أن اللغة قد مرت بعدة مراحل لتتناسب مع عقلية الإنسان عبر الزمن.
3- نظرية الغريزة الكلامية
ترى هذه النظرية أن اللغة تنشأ بناءً على غريزة الإنسان، حيث خُلق الإنسان مع لغة داخلية مُعبر عنها من خلال الجسد والإحساس، ليتطور هذا التعبير بالكلمات. يجدر بالذكر أن هناك نظريات أخرى لم يتوصل العلماء إلى اتفاق بشأن أي منها هو الأكثر صحة.
إن جميع هذه النظريات والمجموعة الواسعة من الحجج والأفكار المقدمة من قبل العلماء، تبقى مجرد فرضيات ليس هناك دليل قاطع يدعم أي منها بشكل واضح حول نشأة اللغة. ومن ثم، فإن كافة هذه النظريات تعتبر قابلة للصواب والخطأ ولا ينبغي الاعتماد على واحدة منها بشكل حصري.