تحذير من أكل مال اليتيم
اتفق العلماء على أنَّ تناول مال اليتيم بشكل غير عادل يعد من الكبائر، وأكدوا أن من كان شغله مرتبطاً بيتيم وهو في وضع مادي مناسب، فلا يجوز له التصرف في أمواله بصورة غير قانونية. وذلك استناداً إلى قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ). وقد توعد الله تعالى من يتناول مال اليتيم ظلماً بعذاب شديد يوم القيامة، كما جاء في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا).
يجب أن تتوفر في الشخص الذي يتولى أمور مال اليتيم مجموعة من الصفات: التكليف، الإسلام، العدالة، والقدرة على إدارة الأموال. فإذا توفرت هذه الصفات، يتعين عليه حماية مال اليتيم وتحقيق مصلحته دون أي تصرف غير مناسب.
كما اعتبرت أفعال أكل مال اليتيم بشكل ظالم وتجبُّر من الكبائر التي حذرنا منها النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديثه عندما قال: (اجتَنِبوا السَّبعَ الموبقاتِ. قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ وما هي؟ قالَ: الشِّركُ باللَّهِ، والشُّحُ، وقتلُ النَّفسِ الَّتي حرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليتيمِ، والتَّولِّي يومَ الزَّحفِ، وقَذفُ المحصَناتِ الغافِلاتِ المُؤْمِناتِ). وعند نزول قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، امتنع الصحابة عن مشاركة اليتامى في الطعام وغير ذلك خشية من الوقوع في إثم. لكنهم سمحوا بمشاركتهم بالتي هي أحسن، وأوضح أن النهي عن مال اليتيم يتعلق بالأكل غير العادل.
أنواع استخدام مال اليتيم
هنالك عدة صور تدل على الأكل من مال اليتيم، وهي تشمل استخداماته كافة، رغم أن التركيز غالباً يكون على الأكل. ومن هذه الصور:
- عدم الحفاظ على أموال اليتيم، وتسليمه الأموال بشكل ناقص، أو دمج أموال اليتيم مع أموال الوصي. يقول الله تعالى: (وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ).
- الاقتراب من أموال اليتيم بغير فائدة أو إتلافها، وعدم استثمارها بطريقة تعود عليه بالفائدة.
- الاستفادة منها بشكل غير مشروع، كشراء الممتلكات الشخصية أو شراء أشياء لا تفيد اليتيم وإسراف المال.
عواقب أكل مال اليتيم ظلماً
وعد الله تعالى من يأكل أموال اليتامى ظلماً بالنار يوم القيامة، وذكر أنهم سيُبعثون والنار تخرج من أفواههم، وقد اعتبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أكل مال اليتيم من الكبائر. كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا). وتحذر الشريعة من الاقتراب من مال اليتيم بغير وجه حق، كما جاء في قوله: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). وقد جاء في تفسيرات بعض العلماء أن أكل مال اليتيم يؤدي إلى عذاب كبير للفرد المذنب.
الحكمة من تحريم أكل مال اليتيم
تحمل حكمة تحريم أكل مال اليتيم العديد من الأسباب، ومن أبرزها:
- وضع اليتيم الضعيف وفقدانه للأب، مما يجعله غير قادر على الدفاع عن نفسه.
- حثّ الشريعة على العطف على اليتيم والإحسان إليه، وأكل ماله يتعارض مع هذه المبادئ.
موقف التصرف بمال اليتيم
يجوز للوصي اتخاذ قرارات بشأن مال اليتيم بما يعود عليه بالنفع، إذا كان الولي غنياً فلا يجوز له أخذ أموال من اليتيم. أما إذا كان فقيراً، فإنه يسمح له بأخذ أجر معقول دون استغلال، كما في قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ…). وقد ورد عن بعض العلماء، أن ما يتلقاه الولي الفقير يجب إرجاعه عند اليسر، لأن مال اليتيم يجب أن يبقى محمياً.
يمكن للولي أخذ المال في حالات الضرورة، ولكن يجب عليه ضمان ما استهلكه أو أتلفه، لأن职责 الولي هي ضمان مصلحة اليتيم. وقد نص بعض الفقهاء على أن هناك استثناءات تعتمد على القوانين التي يحددها الحاكم، وكذلك قيل أن ابن عباس أجاز للولي الفقير أخذ ما يحتاجه من مال اليتيم بشكل منطقي. فالولي هو أمين على أموال اليتيم، ويجب أن يتصرف وفق مصلحة ورغبات اليتيم.