قصة الصحابي أبي الدحداح في الإيثار
جسّد الصحابة -رضوان الله عليهم- أروع صور الاستجابة لأوامر الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن أبرز هؤلاء الصحابة الجليلين ثابت بن الدحداح المعروف بأبي الدحداح.
ينتمي أبو الدحداح إلى الأنصار، وقد شهد غزوة بدر، وورد أنه استشهد في غزوة أحد، أو بعد عودة النبي -صلى الله عليه وسلم- من صلح الحديبية. وتُشير قصته الفريدة إلى ربطه بآية الله -عز وجل-: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
عندما نزلت هذه الآية، سأل أبو الدحداح النبي -صلى الله عليه وسلم-: “يا رسول الله، هل يطلب منا الله -عز وجل- الإقراض؟” فأجابه: “نعم، يا أبا الدحداح”. قال: “أرني يدك يا رسول الله”، وبعد أن ناوله النبي -صلى الله عليه وسلم- يده، أعلن أبو الدحداح: “فإني أقرضت ربي -عز وجل- بستاني الذي يحتوي على ستمئة نخلة، وزوجتي وأولادي في داخله”. فذهب إلى زوجته أم الدحداح قائلاً: “اخرجي، فقد أقرضته ربي عز وجل”.
وفي رواية أخرى، يقال إن هذا الرجل العظيم قد استبدل نخلة في الجنة بمزرعته، حيث ورد أن أحدهم قال: “يا رسول الله، لدي نخلة عند فلان وأنا بحاجة إليها لحديقتي، فهل يمكنه إعطائي إياها؟” فأجاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أعطه مقابلها نخلة في الجنة”. ولكن الرجل أصرّ، فذهب أبو الدحداح وعرض شراء تلك النخلة بحديقته، ووافق صاحب النخلة. عند ذلك قدم أبو الدحداح إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليخبره بذلك، فقال النبي: “اجعلها له، فقد أعطيتك إياها”. وكان النبي يردد: “كم من عِذقٍ رَداحٍ لأبي الدحداح في الجنة” مراراً.
فذهب إلى زوجته، قائلاً: “يا أم الدحداح، اخرجي من الحديقة، فقد بعتها بنخلة في الجنة”. فردّت قائلة: “ربح البيع” أو ما شابه ذلك.
قصة عتق بلال بن رباح
يعدّ الصحابي الجليل بلال بن رباح -رضي الله عنه- مثالاً يُحتذى به في صمود الإيمان أمام قسوة الحياة، فقد عانى من أنواع مختلفة من التعذيب ولم يتراجع عن دينه. بتحوله إلى الإسلام، أُعطي الفرصة ليصبح مؤذناً للنبي -صلى الله عليه وسلم-، إضافة إلى كونه خزاناً على بيت مال المسلمين، وقد منحه الله عز وجل الشرف ليرافق النبي في جميع الغزوات.
تعرض بلال -رضي الله عنه- للتعذيب من قِبل سيده أمية بن خلف، فانبرى أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- لمناشدة أمية ليعتق بلال، معروضاً سيئاته: “أنت أفسدته علينا، فأطلق سراحه من هذا العذاب.” ووافق أمية بن خلف على الصفقة، مشيراً إلى أنه مستعد لتبديل بلال بعبد قوي.
وهناك رواية أخرى تدل على أن الصديق دفع خمسة أواق ثمناً لبلال -رضي الله عنه-، وهي مبلغ كبير جداً، وهذا ما أظهر قوة إيمانه الذي أذل أمية بن خلف. وقد قال أمية: “ولو دفعت وقية واحدة، لبيعناك بلالاً”، وكان رد أبو بكر: “ولو طلبتم مئة وقية لدفعنا لكم”.
ومن خلال إسلامه، انتقل بلال -رضي الله عنه- من كونه إنساناً يُعذب تحت الحجارة إلى مؤذن في أعلى الكعبة، ومن شخص يُعذب على يد صغار قريش إلى سيدٍ من سادات المسلمين، وكل ذلك يُعزى إلى الصديق -رضي الله عنه-.
قصة زواج أبي طلحة وأم سليم
عاش الصحابة -رضوان الله عليهم- حياتهم في طاعة الله -تعالى-، مستغلين كل فرصة تقرّبهم له. كان بذل الجهد في سبيل الدين يتجلى من خلال منافسة الصحابيات للصحابة، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك قصة أبي طلحة وأم سليم -رضي الله عنهما-.
قدّم أبو طلحة -رضي الله عنه- طلب يد أم سليم -رضي الله عنها-، فأخبرته بأنها لا يمكن أن تقبل به، لأنه كان كافراً وهي مسلمة. وأضافت: “لا أريد مالاً، أريد إسلامك، فإن أسلمت، فهو مهري.” فانطلق أبو طلحة طالباً من النبي -صلى الله عليه وسلم- الإسلام، ولما رآه النبي قال: “ها قد جاءكم أبو طلحة، غُرّة الإسلام بين عينيه”.
ثم أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما قالته أم سليم، فتزوجها بذلك الشرط، واستشعرت بذكائها أن دخول رجل في الإسلام عبرها هو أغلى من الذهب والفضة. ثم جاء موقف آخر لأم سليم حينما وُلد لهما ولد محبوب، ولكن الصبر لم يُمهلهم طويلاً فقد مرض وتوفي، وقررت أم سليم أن تخبر أبو طلحة بالأمر في اليوم التالي.
قدمت له الطعام وتزينت، وعندما شاركته، سألته: “يا أبا طلحة، ماذا تفعل إذا اقترض قوم عاريتهم، فتطلبوا عاريتهم، أَيحق لهم منعهم؟” فقال: “لا”. فردت: “فاحسب ابنك”. فغضب وخرج حتى جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- ليخبره بما حدث، فقال النبي: “بارك الله لكما في غابر ليلتكما”.
صبر الصحابية أم زفر الحبشية
تعتبر قصة الصحابية أم زفر -رضي الله عنها- مثالاً عظيماً على اختيار الآخرة ونعيمها على مشقات الدنيا، حيث كانت -رحمها الله- محاصرة بالصّرع، وكان يصيبها عند تعرضها له عوارض تفضحها. فتوجهت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلة: “إني أصرع وأتكشف، فادع الله لي.” فأجابها: “إن شئت صبرت ولَك الجنة، وإن شئت دعوت الله لك بالشفاء.” فقالت: “أصبِر”. وطلبت أيضاً الدعاء لها بأن لا تتكشف.
هذا يدل على أنها كانت تفضّل نعيم الآخرة رغم آلامها الشديدة، وقد أدركت أهمية الستر وطالبَت النبي بالدعاء لها بذلك.
قصة الصحابي عبد الله بن زيد والأذان
يُعتبر الأذان من شعائر الله -عز وجل-، وقد كان هناك اختلاف بين الصحابة -رضوان الله عليهم- حول الوسيلة المناسبة لجمع الناس للصلاة. ودار حديث بين بعضهم، حيث اقترح البعض استخدام الناقوس كمثيل لما يستخدمه النصارى، بينما اقترح آخرون استخدام القرن كما يفعل اليهود.
ثم جاء عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- ليقول: “يا رسول الله، رأيت في المنام -لو قلت لم أكن نائماً لصدقوني- أنني رأيت شخصًا يرتدي ثوبين أخضرين متوجهاً نحو القبلة، وهو ينادي: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله…”. استمر في وصف رؤية الأذان، وحينما أتم ذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “علمها بلالا فليؤذن بها”، ليكون بلال هو الأول في الأذان. ثم جاء عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ليؤكد على ما رآه عبد الله بن زيد -رضي الله عنه-.