يُعتبر العنف ظاهرة فطرية لدى البشر وكافة الكائنات الحية، ويمكن أن يُفضي الاستخدام المفرط له إلى تدمير مجتمعات وشعوب بأكملها. وتجدر الإشارة إلى أن أشكال العنف قد تتنوع، ويكون المراهقون والشباب أكثر عرضة له. من خلال هذه المقالة، سنلقي الضوء على مفهوم العنف في الفلسفة كما يطرحه الفلاسفة.
مفهوم العنف في الفلسفة
عند الإشارة إلى كلمة عنف، يرتبط بها العديد من المصطلحات مثل الموت والإرهاب والجرائم والاغتيال والحروب والتجويع وغيرها. فلسفيًا، يُعرف العنف بأنه استبداد وإساءة في استخدام القوة.
تُمارس هذه القوة بشكل عدواني وتعسفي، مما يؤدي إلى انتهاك مبادئ الاحترام الذاتي وتقويض الواجبات القانونية، فضلاً عن تشويه الطبيعة والقوانين المقدسة. تاريخياً، لم يكن العنف مجرد حدثا عشوائياً، بل ارتبط بشكل وثيق بتطور المجتمعات والحضارات التي شكلت التاريخ.
تعريف العنف عند الفلاسفة
تعددت التفسيرات المتعلقة بمفهوم العنف، وفيما يلي أبرز النقاط المتعلقة بتعريفه لدى عدد من الفلاسفة:
1- العنف عند فرويد
اعتبر فرويد أن العنف يُعَد اتجاهًا فطريًا أو نفسيًا طبيعيًا لدى الإنسان وكل كائن حي، وهو تعبير عن رغبة تدميرية تنبع من غريزة البقاء.
2- العنف عند ماركس
رأى ماركس أن العنف ينشأ كنتيجة لتعارض المصالح، خاصة مع ظهور الملكية الفردية. حيث يتطلب الانتقال من النظام الرأسمالي إلى الاشتراكي وظهور السلطة الأسرية إلى اللجوء للعنف لتحقيق المطالب خلال هذه الفترة الانتقالية.
3- العنف عند ابن خلدون
اعتقد ابن خلدون أن الدولة تمثل العنصر الأساسي في كبح جماح النزعات العنيفة والأنانية للإنسان. فوجود الدولة يساعد في التحكم في الطبيعة الظالمة للأفراد الذين يسعون لتلبية مصالحهم على حساب الآخرين. وبالتالي، فإن السياسة تكمن في القوة والعنف عند ابن خلدون.
4- العنف عند الفارابي
في مؤلفه “آراء أهل المدينة الفاضلة”، اعتبر الفارابي أن القهر والظلم يعدان من سمات المدن المنحطة. وعلى الرغم من وجود مدن ضالة، فإنه يوجد أيضًا مدن فاضلة تسودها الحكمة والأخلاق، حيث تسعى لتحقيق رفاهية وسعادة شعوبها.
5- العنف عند نيكولو مكيافيلي
رأى مكيافيلي أن العنف يمثل الحل الأمثل للملوك في سياستهم، حيث اعتبر أن السياسة لها قواعد خاصة لا ترتبط بالأخلاق أو الدين، ومن ضمن هذه القواعد اللجوء للعنف لتحقيق النجاح السياسي.
6- العنف عند إيريك فروم
وفقًا لفروم، فإن العنف لا يُعتبر سلوكًا أساسيًا للكائنات الحية، سواء كانت بشرية أو حيوانية. حيث يؤكد علم النفس الحيواني أن الحيوانات لا تتجه نحو العنف إلا في حالات معينة، ويُعتبر ذلك وسيلة وليست هدفًا بحد ذاته.
أشكال العنف ومظاهره العامة
تنطوي مظاهر العنف على أساليب متعددة، ولها تأثيرات سلبية جسيمة على كل من يتعرض لها، وخاصة الأطفال. وفيما يلي بعض أشكال العنف بشكل عام:
1- العنف النفسي والعاطفي
يشير هذا النوع من العنف إلى أي شكل من أشكال الإساءة العاطفية تجاه شخص ما، ومن بين مظاهره:
- الأذى النفسي.
- الاعتداء اللفظي، والذي يمكن أن يتضمن الرهاب النفسي.
- التهديد والإهانة أو التهديد العدواني.
- التقليل من شأن الطرف الآخر.
2- العنف الجسدي
يُعتبر نوعًا من التعنيف طويل الأمد، ويتضمن عدة أشكال مثل:
- إلقاء شيء على شخص لإيذائه.
- جميع أنواع الصفع والضرب والركل.
- لوي الأذرع.
- سحب الشعر.
إن الميل نحو العنف يعتبر سلوكًا شائعًا بين الكائنات الحية كوسيلة لإثبات قدرتها، ولكن هذه التصرفات العدوانية تؤثر بشكل سلبي على نسيج المجتمع، خاصة في النظام السياسي الذي قد يعتمد على العنف كوسيلة للسلطة والسيطرة.