أقسام التفسير بالمأثور
لقد حظى القرآن الكريم باهتمام بالغ من قبل المسلمين، إذ أقبلوا عليه قراءة وحفظًا وتأملاً. وقد قام العلماء بدورهم في تفسير آياته وتحليل معانيها واستنباط الأحكام منها. وتنوعت مناهج المفسرين في تفسير القرآن عبر العصور الإسلامية، ومن أبرز هذه المناهج: التفسير بالرأي والتفسير بالمأثور. وفيما يلي عرض لأقسام التفسير بالمأثور:
- تفسير القرآن بالقرآن
يعد تفسير القرآن بالقرآن الأساس الذي ينطلق منه التفسير بالمأثور فيما بعد؛ فهو يمكن أن يتضمن تأويل المجمل، تحديد المطلق، توضيح المنطوق بالمفهوم، تفسير كلمة بكلمة، بيان المعنى المطلوب من اللفظة من خلال سياق آية أخرى، أو توضيح آية بآية أخرى، وتخصيص العموم.
على سبيل المثال، في قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)، اللفظ العام “المطلقات” يفهم منه أن جميع المطلقات ملزمن بالاعتداد لثلاثة قروء، لكن هذا العموم غير مقصود، لأنه مخصص في آيات أخرى، حيث يبيّن أن المرأة المطلقة قبل الدخول بها لا يتوجب عليها عدة، كما وضح ذلك في آية سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا).
- تفسير القرآن الكريم بالسنة النبوية
تأتي السنة النبوية بعد تفسير القرآن بالقرآن من حيث الأهمية والمكانة. إذ تعتبر السنة بمفهومها العام توضيحًا للقرآن، فهي تقيّد المطلق، وتشرح المجمل، وتخصص العام، وتوضّح المسائل الغامضة. وقد أمر الله المؤمنين بطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلك جاء الالتزام بأحاديثه وتفسير القرآن بناءً عليها. حيث بيّن الله -تعالى-: (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا).
على سبيل المثال، عندما أمر الله -تعالى- المؤمنين بإقامة الصلاة، أخبر أنها محددة بمواقيت، فقال -تعالى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا). وقد وضحت السنة القولية والفعلية للنبي -صلى الله عليه وسلم- تفاصيل هذه الأوامر، بحيث عرفت مواقيت الصلاة وأركانها وشروطها وسننها وآدابها.
- تفسير القرآن بقول الصحابي
يعتبر الصحابي مرجعًا لتفسير القرآن، إذ يمكنه استخدام القرآن كمصدر أو الاستناد إلى أحاديث ينسبها إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو من خلال معرفته بسنن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو من قواعد اللغة العربية. كما أن الصحابي يقوم بتفسير الآيات بناءً على العلم بظروف وأحداث نزول الوحي. وتعتبر أقوال الصحابة مقدمة لأنهم أفضل الناس وقد شهدوا الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
- تفسير القرآن بقول التابعي
يعتمد التابعي في تفسيره للقرآن الكريم تأصيل معرفته باللغة العربية ومعاصرته للصحابة الكرام، الذين تُعد معرفتهم ركيزة لفهم النصوص القرآنية. حيث يمثلون حلقات مهمة في نقل العلوم والبلاغة.
مفهوم التفسير بالمأثور
المأثور في اللغة يعني ما تم نقله، بينما في الاصطلاح يشير إلى ما ورثه الخلف عن السلف من علوم وأخبار وروايات.
تعريف التفسير بالمأثور كما أشار إليه الدكتور محمد حسين الذهبي رحمه الله: “يشمل ما ورد في القرآن من بيان وتفصيل لبعض الآيات، إلى جانب ما نقل عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وما جاء عن الصحابة -رضوان الله عليهم- والتبعين، وكل ما يعبر عن مراد الله من نصوص كتابه.”
وبذلك، فإن التفسير بالمأثور هو ما تم نقله عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو عن الصحابة أو التابعين من أقوال تُعنى بتفسير القرآن، ويطلق عليه اسم التفسير النقلي لأنه يعتمد على الروايات.
مصادر التفسير بالمأثور
سوف نعرض مصادر التفسير بالمأثور فيما يلي:
- ما صح من الأحاديث المرفوعة
إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، حيث تُعتبر السنة مفسرة للقرآن وموضحة له، وهي تقيد مطلقاته وتبين مجمله؛ وهذا هو هدف الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كما قال الله -تعالى-: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم).
- ما صح عن الصحابة -رضوان الله عليهم-
تأتي الأقوال المأثورة عن الصحابة كمصدر رئيسي لتفسير القرآن، فهم أعلم الناس بمعاني الكتاب لانهم عاشوا في زمن الوحي وتربوا على يد الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
- ما صح من أقوال التابعين
يعتبر التابعون، الذين هم تلاميذ الصحابة، هم أكثر الأشخاص علمًا وتفهمً للقرآن بعد الصحابة مثل التابعي الجليل ابن عباس وابن مسعود -رضي الله عنهما-.