تعتبر مدرسة لندن اللسانية واحدة من المدارس اللسانية الرائدة والمهمة، حيث تركز بشكل أساسي على دراسة الصوتيات والدلالات والتراكيب اللغوية لأظهار الأهمية البلاغية للغة. ظهرت المدارس اللسانية في القرن التاسع عشر، ولكن كحقل دراسي، فإن جذورها تعود إلى زمن بعيد تزامنت مع ظهور الثورة الصناعية. من خلال هذا المقال، سوف نستعرض كافة المعلومات المتعلقة بمدرسة لندن اللسانية.
مدرسة لندن اللسانية والنظرية السياقية
تشتهر مدرسة لندن اللسانية بنظريتها السياقية التي قادها العالم فيرث، الذي سلط الضوء على الوظيفة الاجتماعية للغة. سنستعرض فيما يلي بعض النقاط الأساسية المتعلقة بهذه المدرسة:
أولًا: مفهوم النظرية السياقية
ترتكز النظرية السياقية في اللسانيات على أهمية سياق الحديث في فهم دلالة الكلمة ومعناها، حيث تنفي هذه النظرية الاعتماد الكلي على الصيغة اللغوية في تحديد المعنى الموسوعي.
تعتبر النظرية أن اللغة عبارة عن نظام يتسم بتعقيد العلاقات بين وحداته، بالإضافة إلى كونه نظامًا مفتوحًا قد يتغير في تركيبه المعجمي والتركيبي. لذا، فإن الكلمة بعدم وجود سياق لا يمكن أن تعبر عن معناها بشكل كامل.
ثانيًا: لمحة تاريخية عن منهج السياق
كان السياق موضوع اهتمام العلماء المعاصرين، ومن بينهم العالم البريطاني فيرث، الذي اعتبر أن الأطر الكلامية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالسياق وموقع الكلمة ضمن التركيب الجملي. وأكد أن هذا هو المركز الأساسي الذي ينبغي أن يتركز عليه تحليل اللغوي.
ثالثُا: مفهوم الكلمة في النظرية السياقية
تظهر دلالة الكلمة عند أصحاب النظرية من خلال استخدامها الفعلي في اللغة وكيفية استخدامها، بالإضافة إلى الدور الذي تؤديه تلك الكلمة. وهذا ما دفع فيرث إلى القول بأن معنى الكلمة لا يمكن الكشف عنه إلا من خلال وضعها في سياقات مختلفة، حيث يتفاعل أغلب الوحدات الدلالية مع الوحدات الأخرى.
ويظهر الجوانب الأخرى لمفهوم الكلمة أيضًا كما ذكر جون ليونز، الذي أشار إلى أن العلاقة بين الكلمات تكشف عن تركيبها، كما اعتبر أن السياق هو العامل الأهم في توضيح دلالة الكلمة ارتباطًا بكلمات أخرى، مما يسهم في إزالة الغموض عن الجملة.
استنادًا إلى ما سبق، يمكننا القول بأن دراسة معاني الكلمات تتطلب تحليلًا دقيقًا للسياقات والأوضاع التي ترد فيها.
رابعًا: شُعب منهج السياق
نظرًا للتغير المستمر لمعنى الكلمة بناءً على السياقات المختلفة أو التوزيع اللغوي، اقترح عالم اللغة آمر، وهو أحد رواد مدرسة لندن اللسانية، تقسيم منهج السياق إلى أربع فروع:
1- السياق اللغوي
يمكن توضيح ذلك من خلال مثال كلمة “good” التي تتضمن دلالات متعددة حسب السياق، مثل:
- الأشخاص (رجل، امرأة، ولد، بنت، …)
- الأشياء المؤقتة (اليوم، الوقت، الرحلة، الحفلة …)
- الأشياء الكمية (الهواء، الماء، الملح، …)
2- السياق العاطفي
يساعد في تحديد درجة الانفعالات سواء كانت قوية أو ضعيفة، مع إمكانية التأكيد أو المبالغة. على سبيل المثال، كلمة “love” تعني شيئًا مختلفًا عن “like” رغم تشابه المعاني. كذلك تعبر كلمة “يحب” و”يبغض” عن اختلافات رغم وجود أصل مشترك.
3- سياق الموقف
يشير سياق الموقف إلى الظروف الخارجية التي تطرأ فيها الكلمة. على سبيل المثال، قد نقول “يرحمكم الله” بمعنى طلب الرحمة في الحياة، بينما “الله يرحمه” تعني طلب الرحمة للميت.
4- السياق الثقافي
يتعلق السياق الثقافي بتحديد البيئة الثقافية والاجتماعية التي تتداول فيها الكلمة. فعلى سبيل المثال، كلمة “جذر” تؤخذ بمعاني مختلفة وفقًا للسياق، فقد تعني “جذر النبات” للفلاح، بينما تعني “الجذر اللغوي” لدى اللغوي، و”الجذر التربيعي” لدى عالم الرياضيات.
خلاصة القول، أبدعت مدرسة لندن اللسانية في تطوير فكرة أن معنى الجملة يرتكز بشكل أساسي على معاني كلماتها، مع اعترافها بأن الجملة هي وحدة نحوية تعتمد على ترتيب الكلمات لتحديد وظيفة كل كلمة، مما يعني أن الوظائف النحوية في النظرية السياقية تسهم في بلورة دلالة الجملة. وبالتالي، وضعت مدرسة لندن اللسانية أسسًا نظرية متكاملة لفهم دلالات اللغة.