أنواع الشعر العربي الحديث
تختلف أغراض الشعر العربي الحديث اليوم عن تلك التي كانت موجودة في العصور القديمة، وفي الفترة الجاهلية وما بعدها. لم يعد الشاعر يركز فقط على المدح والفخر والحماسة، بل أصبح هدفه التعبير عن الواقع والمساهمة في تغييره. نتيجة لذلك، تنوعت أنواع الشعر العربي الحديث لتشمل الشعر الحر، الشعر المرسل، الشعر المنثور، وشعر الحداثة. فيما يلي توضيح لكل نوع:
الشعر الحر
الشعر الحر، أو ما يُعرف بشعر التفعيلة، يمثل استجابة معاصرة للتطور الفكري في العصر الحديث بالمقارنة مع العصور القديمة. يتكون الشعر الحر عادة من شطر واحد دون قيود محددة على طوله، مما يسمح بتغيير عدد التفعيلات بين الأبيات وفقًا لقواعد عروضية واضحة.
بعبارة أخرى، يعتمد الشعر الحر على تفعيل واحدة، كما أكدت نازك الملائكة عدة مرات. يتبع هذا الشكل القواعد الأساسية للقصيدة العربية، ولكنه يتميز عن الشكل التقليدي بالتحرر من القافية في معظم الأحيان. من أبرز رواد هذا النوع: نازك الملائكة وبدر شاكر السياب، حيث كتب السياب في أحد قصائده:
:لأنّي غريب
:لأنّ العراق الحبيب
:بعيد و أني هنا في اشتياق
:إليه إليها أنادي: عراق
:فيرجع لي من ندائي نحيب
:تفجر عنه الصدى
:أحسّ بأني عبرت المدى
:إلى عالم من ردى لا يجيب
:ندائي
:وإمّا هززت الغصون
:فما يتساقط غير الردى
:حجار
:حجار و ما من ثمار
:وحتى العيون
:حجار وحتى الهواء الرطيب
:حجار يندّيه بعض الدم
:حجار ندائي وصخر فمي
:ورجلاي ريح تجوب القفار
الشعر المرسل
يمثل الشعر المرسل أول محاولة هامة للخروج عن النظام العمودي للقصيدة العربية. يُعرف الشعر المرسل بأنه الشعر الذي يتبع الوزن دون الالتزام بالقافية، وسعى رواد هذه المدرسة لتفهم العلاقة بين الشكل والمضمون في القصيدة. من أبرز رواد هذا النوع: زكي أبو شادي، جميل صدقي الزهاوي، وعبد الرحمن شكر.
سعى هؤلاء الشعراء إلى الكتابة وفق هذا الأسلوب، رغم أن الشكل النهائي للشعر المرسل لم يثبت بشكل كامل، إلا أن تأثيره على تطوير الشكل المعاصر للقصيدة العربية لا يمكن إنكاره. ومن بين القلائل الذين أبدعوا في هذا النوع، نجد الزهاوي الذي كتب:
ليس البليد الجاهل
:::كمن له فضائلُ
ولا الذي يجبن في ال
:::حرب كمن يقاتل
إن تزِنوا محمدا
:::بالطود فهو فاضل
اليوم ربي أظهر ال
:::عدل وربي عادل
اليوم ربع المجد قد
:::أصبح وهو آهل
اليوم للبدر المني
:::رِ طابت المنازل
سار فأدرك الذي
:::يَخِيبُ عنه الآمل
ما كل من سار على
:::قصدِ الطريق واصل
من رتبة قد حازها
:::ليس لها معادل
قد حازها ولم يحز
:::ما حازه محاول
ولم يكن له سوى اس
:::تحقاقه وسائل
لا يدركنّه وإن
:::طاوله مطاول
فبينه وبين من
:::طاوله مراحل
شهم له عليه من
:::فعاله دلائل
الشعر المنثور
ارتبط الشعر المنثور ارتباطًا وثيقًا بالحداثة الشعرية، فهو أحد الموجات التي انتشرت في ظل الشعر الحديث. يمثل الشعر المنثور روح العصر وتطلعاته، سواء من حيث الشكل أو المضمون. ويمكن اعتبار جبران خليل جبران وأمين الريحاني من أبرز ممثلي هذا النوع، والذي نشأ نتيجة إهمال الوزن والقافية.
لا يمكن إنكار أن الأدب الغربي أثر بشكل كبير في نشوء الشعر المنثور، حيث كان من بين أبرز الشخصيات الأدبية التي أثرت فيه جان جاك روسو وفيكتور هوجو. ويعتبر رواد هذا النوع أن الشعر المنثور يعبر عن هموم الشاعر العربي ويعكس تطلعات الأمة الحديثة، والتي تختلف بشكل جذري عن تلك التي كانت موجودة في العصر الجاهلي.
من أبرز ما قاله مصطفى صادق الرافعي: “لم تحيرني المتناقضات ولا المتشابهات ولا ضقت بأسباب الفكر فيها، فإن ذلك الحب جعل في عقلين لا عقلًا واحدًا؛ أحدهما يقرني في هذه الدنيا، والآخر ينقلني إلى ثانية؛ دنيا الناس جميعًا ودنيا امرأة واحدة؛ دنيا السماوات والأرض ودنيا قلبي، في العقل الأول تنحل كل المشكلات، وفي الثاني تنعقد كل البسائط، أحدهما قوي فلو اجتمعت عليه عقول أعدائه في عاصفة واحدة، لكان وحده عاصفة تلف بها لفًا، والآخر ضعيف تمرضه الابتسامة الواحدة مرضًا طويلاً”.
شعر الحداثة
في عصر الحداثة، اعتمد الشاعر أسلوبًا جديدًا يتجاوز صفة الناظم التقليدية، ليصبح شخصًا يسعى لاكتشاف ذاته ولغته من جديد. ويمثل أدونيس أحد أبرز رموز هذا النوع من الشعر.
لا يعني التجديد عند شعراء الحداثة نفي تراث الشعر الجاهلي، بل هو محاولة للكتابة بحرية تامة في ظل العصر الحديث، وتجاوز القيود التي تحد من تعبيرهم. لذلك، يجب أن تتميز القصيدة الحداثية بخصوصيتها وقدرتها على تلبية مشاعر الأديب وإبداعه. ومن أبرز ما قاله صلاح عبد الصبور تجسيدًا لهذه الحداثة:
:اللّيل يا صَديقتي ينفُضُني بلا ضَمير
:ويطلق الظّنون في فراشِي الصَّغِير
:وُيثقلُ الفؤادَ بالسَّواد
:ورحلةِ الضَّياع في بحرِ الحِداد
:فحين يقبلُ المساءُ، يقفرُ الطريقُ
:والظلامُ محنةُ الغريب
:الليل يا صديقتي أغنيةٌ صغيرةٌ
:عن طائرٍ صغيرٍ
:في عشِّه واحدُه الزغيب
:وإلْفهُ الحبيبُ
:يكفيهُما من الشَّراب حسْوتا منقار
:ومن بيادرِ الغِلال حبّتان
:الطارقُ المجهولُ يا صديقتي مُلثّمٌ شرير
:عيناهُ خنجرانِ مسْقيّانِ بالسّموم
:والوجهُ من تحت اللّثام وجهُ بوم
:لكنّ صوته الأجشَّ يشدخ المساء