يسعدنا أن نقدم لكم مقال “القشور واللباب” وما يحمله من عبر. تُعتبر هذه المقالة واحدة من أروع كتابات الأديب المصري نجيب محفوظ، الذي ألفها في الخمسينات. يتضمن هذا العمل أفكارًا متميزة، وقد بدأ بمقالة “القشور واللباب” التي لاقت استحسانًا واسعًا من جمهوره، مما ساهم في شهرتها الكبيرة. تتميز كتاباته بثراء الموضوعات، حيث تناول العديد من الموضوعات مثل الفلسفة والنقد الأدبي، كما تمتاز بالدقة والاختصار. نحن هنا على موقعنا نعرض لكم المقالة ونقدم خلفية عن مؤلفها.
مقالة القشور واللباب
ما شربتُ كأسًا علقميَّة إلَّا كانت ثُمالتها عسلًا.
ومَا صعدتُ عقبة حرجة إِلا بلغتُ سهلًا أخضر.
وما أضعتُ صديقًا في ضباب السماء إلا وجدتُه في جلاء الفجر.
وكم مرة سترتُ ألمي وحرقتي برداء التجلد متوهمًا أن في ذلك الأجر والصلاح، ولكنني لما خلعت الرداء رأيت الأمل قد تحول إلى بهجة والحرقة قد انقلبتْ بردًا وسلامًا.
وكم سرت ورفيقي في عالم الظهور فقلتُ في نفسي: ما أحمقَه وما أبلَدَه، غير أنني لم أبلغ عالَم السر حتى وجدتُني الجائر الظالم وألفيته الحكيم الظريف.
وكم سكرتُ بخمرة الذات فحسبتُني وجليسي حَمَلًا وذئبًا، حتى إذا ما صحوت من نشوتي رأيتني بشرًا ورأيته بشرًا.
أنا وأنتم أيها الناس مأخوذون بما بان من حالنا، متعامون عما خفِي من حقيقتنا. فإن عَثَر أحدُنا قلنا: هو الساقِطُ، وإن تَمَاهَلَ قُلنا: هو الخائِر التلِف، وإن تَلَعْثَمَ قلنا: هو الأخرس، وإن تَأَوَّهَ قلنا: تلك حَشَرجَةُ النَّزعِ فهو مائِتٌ.
أنا وأنتم مشغوفون بقشور “أنا” وسطحيَّات “أنتم”؛ لذلك لا نُبصرُ ما أَسَرَّهُ الروحُ إلى “أنا” وما أخفاهُ الروح في “أنتم”.
وماذا عسى نفعل ونحن بما يساورنا من الغرور غافلون عما فينا من الحق؟
أقول لكم، وربما كان قولي قناعًا يغشي وجه حقيقتي، أقول لكم ولنفسي: إن ما نراه بأعيننا ليس بأكثر من غمامة تحجب عنا ما يجب أن نشاهده ببصائرنا. وما نسمعه بآذاننا ليس إلا طنطنة تشوش ما يجب أن نستوعبه بقلوبنا. فإن رأينا شرطيًّا يقود رجلًا إلى السجن علينا ألَّا نجزم في أيهما المجرم. وإن رأينا رجلًا مُضرَّجًا بدمه وآخر مخضوب اليدين فمن الحَصافة ألا نُحتِّم في أيهما القاتل وأيهما القتيل. وإن سمعنا رجلًا يُنشد وآخر يندُب فلنصبر ريثما نَتَثَبَّت أيهما الطروب.
لا، يا أخي، لا تستدل على حقيقة امرئ بما بان منه، ولا تتخذ قول امرئ أو عملًا من أعماله عنوانًا لطويته. فرُب من تستجهله لِثِقَلٍ في لسانه وركاكة في لَهْجَتِهِ، كان وجدانُه منهجًا للفِطَنِ وقلبه مهبطًا للوحي. ورُبَّ من تحتقره لدمامةٍ في وجهه وخساسة في عَيْشِهِ، كان في الأرض هبةً من هبات السماء وفي الناس نفحة من نفحات الله.
الكاتب نجيب محفوظ
يُعتبر نجيب محفوظ من أبرز الكتاب العرب، حيث كان أول كاتب عربي يحصل على جائزة نوبل. وُلد نجيب محفوظ في ديسمبر 1911، وعاش حياة امتدت لحوالي 70 عامًا، ورغم ذلك لم يكن يهتم بالكتابة أو القراءة في البداية، حيث كان يقرأ فقط القرآن الكريم.
بدأ نجيب محفوظ الكتابة بعد حصوله على شهادة الليسانس في الفلسفة خلال الثلاثينات، ثم توقف بعد ثورة 1952 وتزوج خلال تلك الفترة دون أن يعلن عن زواجه، حيث علمت أسرته بالأمر بحال صدفة بعد عشرة سنوات من زواجه.
حياة نجيب محفوظ الأدبية
سجلت مسيرة نجيب محفوظ الأدبية بدايةً بروايات قصيرة تعبر عن الحياة والتاريخ، ثم انتقل إلى الروايات الأدبية مثل “زقاق المدق” و”القاهرة الجديدة”. وقد اتجه نحو الواقعية النفسية لفترة قصيرة قبل أن يستقر على الواقعية الاجتماعية التي لاقت استحسانًا أكبر لدى الجمهور.
كما اتجه نجيب محفوظ إلى كتابة الروايات الرمزية مثل “أولاد حارتنا”، والتي أثارت جدلًا واسعًا أدت إلى محاولات اغتياله ومنعها من النشر في مصر لفترة طويلة. في النهاية، انتقل إلى كتابة روايات الفانتازيا، ومن أشهر أعماله رواية “ألف ليلة وليلة”.
كانت روايات محفوظ تعكس واقع الحياة الاجتماعية والسياسية، وقد لمست مشاعر الناس بعمق.
وفاة نجيب محفوظ
على الرغم من محاولات الاغتيال التي تعرض لها نجيب محفوظ، فإن وفاته كانت نتيجة طبيعية مرتبطة بقرحة نازفة، وذلك بعد عشرين عامًا من وجوده في المستشفى بسببها وأمراض أخرى مثل أمراض الرئة والكليتين، حيث توفي في أغسطس 2006.
بهذا نكون قد تناولنا جزءًا كبيرًا من مقال “القشور واللباب” لكاتبنا الكبير نجيب محفوظ، كما قدمنا لمحة عن حياته ومشواره الأدبي الطويل. نأمل أن يكون المقال قد نال إعجابكم، ونسأل الله الرحمة للكاتب العظيم.