صلاة التراويح
تعني الصلاة في اللغة: الدعاء بالخير، كما في قوله تعالى: (وَصَلِّ عَلَيهِم)، أي ادعُ لهم. أما في الاصطلاح، فهي أقوالٌ وأفعالٌ مخصوصة يتم ابتداءها بالتكبير وانتهاؤها بالتسليم. “التراويح” تأخذ دلالتها من “الترويحة”، وهو مصطلح يشير إلى فترة الراحة بعد الأربع ركعات في ليالي رمضان، حيث يستمتع المصلون بوقت قصير من الاسترخاء. وقد أطلق لاحقاً هذا الاسم على كل مجموعة من أربع ركعات يتم أداؤها. وتصنف صلاة التراويح في شرعنا على أنها قيام شهر رمضان بصفة ركعتين ركعتين، وقد اختلفت الآراء حول عدد ركعاتها. تعتبر صلاة التراويح سنة مؤكدة، وقد أتى بها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشجع على قيام رمضان، قائلاً: “مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ”. وقد نسبت هذه الصلاة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث نظم الناس للصلاة وأمّاهم أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه، الذي كان يصلي معهم التراويح.
عدد ركعات صلاة التراويح في رمضان
اختلف الفقهاء فيما يتعلق بعدد ركعات صلاة التراويح، وفيما يلي توضيح هذه الاختلافات:
- يرى الفقهاء من الحنفية وبعض المالكية والشافعية والحنابلة أن عدد ركعات صلاة التراويح هو عشرون ركعة، وذلك استنادًا إلى ما رُوي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين جمع الناس في تلك الصلاة، حيث كانوا يصلون عشرين ركعة. ويشير الكاساني أن عمر لم يُنكر عليه أحد من الصحابة هذا العدد، مما يعني إجماعًا بين الصحابة. وقد ذكر أن الناس كانوا يصلون في زمن عمر بثلاث وعشرين ركعة، لكن البيهقي والباجي يعتبرون ذلك بمجموع عشرين ركعة، مع ثلاث ركعات للوتر. ووفقاً للحنابلة، لا يقل عدد الركعات عن عشرين ولا مشكلة في الزيادة عليها.
- أما المالكية، فقد ذهبت إلى أنه يمكن أن تكون صلاة التراويح بعشرين ركعة أو ست وثلاثين ركعة. وكان الصحابة في عصر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يصلون في المساجد عشرين ركعة ومن ثم يوترون بثلاث. وفي زمن عمر بن عبد العزيز، كان لديهم ست وثلاثين ركعة غير الشفع والوتر، وهو ما اختاره الإمام مالك ويعتبره الخبر السائد بين الناس في المدينة بعد عصر عمر بن الخطاب.
- أوضح الكمال بن الهمام من الحنفية أن السنة في قيام رمضان تتضمن إحدى عشرة ركعة مع الوتر في جماعة، وذلك استنادًا لما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم تركه خشية فرض ذلك. ولكن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- طلب من أُبيِّ بن كعب وتميم الدّاري أن يصلي مع الناس إحدى وعشرين ركعة. ويدل الباجي على احتمال أن هذه كانت نتيجة لطلب عمر بأن تقرأ الصفوف طويلاً في القراءة، مما دفعه في النهاية للتقليل إلى ثلاث وعشرين رغبة منه في تخفيف المشقة. وعليه ذهب العدوي إلى أنه قد بدأ بـ11 ركعة، ثم انتقل مع الوقت إلى عشرين ركعة.
- يذهب ابن تيمية إلى أن الأفضل يختلف حسب وضع المصلين، فإذا كان لديهم القدرة على تحمل طول القيام، فإن عشر ركعات مع وتر بعدها تكون أفضل، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل، أما إذا كانت القدرة على التحمل أقل فيفضل صلاة العشرين ركعة كونها متوازنة بين العشر والأربعين، سواء كان بعدد أربعين ركعة أو أكثر، فلا بأس بذلك.
وقت صلاة التراويح
يتفق غالبية الفقهاء على أن صلاة التراويح تؤدى بعد صلاة العشاء وقبل صلاة الوتر. يبدأ وقتها بعد العشاء ويمتد حتى طلوع الفجر، وضعف ذلك انطلق من أعمال السلف والصحابة رضوان الله عليهم، حيث كانوا يقومون بصلاة التراويح في هذا الوقت. لذا، تعتبر هذه الصلاة مسنونة تتبع صلاة العشاء. إذا صلّى أحد التراويح بعد المغرب وقبل العشاء، فإن الجمهور -وهو الرأي الأكثر صواباً لدى الحنفية- يرون أن ذلك لا يُجزئ. من جهة أخرى، يقول المالكية إنها تعتبر نافلة. حسب الحنفية، تُقبل صلاتها في أي وقت أثناء الليل حتى طلوع الفجر. وبالنسبة للحنابلة، يجب أن تُصلّى التراويح بعد العشاء وسنتها.
كذلك، يرى كل من الحنفية والشافعية أنه يستحب تأخير أداء صلاة التراويح حتى ثلث الليل أو نصفه. ويدور النقاش بين الحنفية بشأن صحتها بعد نصف الليل، هناك قول بأنها مكروهة لتبعيّتها للقيام كسنة العشاء، وآخر يعتبر أن أداءها بعد منتصف الليل غير مكروه، خاصة وأن أفضل صلاة الليل هي آخره. بينما يرى الحنابلة أن أداء التراويح في أول الليل هو الأنسب، حيث كان الناس يقومون في زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في هذا الوقت.
فضل صلاة التراويح
تعتبر صلاة التراويح سنة مرغوبة بإجماع العلماء. وقيام رمضان يعدّ من أبرز العبادات التي يتقرّب من خلالها المسلم إلى الله -تعالى- خلال هذا الشهر الفضيل. وقد أوضح ابن رجب أن المؤمن يسعى لتحقيق جهادين في رمضان؛ الأول في النهار بالصيام، والثاني في الليل بالقيام. من يوفق بين هذين الجهادين ستُكتب له أجرٌ عظيم بلا حساب. وعندما يقوم المسلم بالصلوات مع الإمام حتى نهايتها، يحصل على ثواب كامل الليلة، حتى وإن صلّى مقتطفات قصيرة من الليل. ويجدر بالمسلم أن يحافظ على القيام في العشر الأواخر من رمضان، حيث تتواجد فيها ليلة القدر التي قال الله -تعالى- عنها: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ).