مفهوم أسباب نزول القرآن الكريم
يمكن تعريف سبب نزول القرآن الكريم بأنه الأحداث أو الأسباب الخاصة التي أدت إلى نزول مجموعة من الآيات الكريمة. فهذه الآيات نزلت لتفسير أو توضيح الأحداث الجارية، وللإجابة عن تساؤلات وجهت إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وبعبارة أخرى، يتعلق مفهوم سبب النزول بالدراسة التي تبحث في زمان ومكان وقوع حدث معين تم تناوله في آية أو سورة، مثل حدوث خطأ ما، أو نشوب خصومة، أو سؤال قد حدث في الماضي أو قد يحدث في المستقبل.
أنواع أسباب نزول القرآن الكريم
بعد استعراض معنى سبب نزول القرآن، نُقدّم فيما يلي بعض أنواع الأسباب المتعلقة بذلك:
وقوع حدث معيّن
تعتبر الحوادث المعيّنة من أهم أنواع أسباب النزول، حيث تأتي الآيات إلى الرسول -عليه السلام- لتوضيح السبب الخاص المرتبط بها. فمثلاً، حادثة الإفك، حيث نزلت الآيات من سورة النور إثر تلك الحادثة، مشملةً أحكاماً للمؤمنين ولتبرئة السيدة عائشة.
هناك أيضاً حادثة مجادلة خولة بنت ثعلبة للرسول -عليه الصلاة والسلام- عندما تعامل زوجها، أوس بن الصامت، معها بشكل غير ملائم. وقد نزلت سورة المجادلة، حيث قال الله -تعالى-: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ).
الإجابة على استفسارات معينة
تتضمن أسباب النزول أيضاً استجابة لأسئلة كانت تُطرح على الرسول -عليه الصلاة والسلام- حول مواضيع معينة. ففي كثير من الأحيان، كان ينزل الوحي بواسطة جبريل -عليه السلام- لتوفير الإجابات المناسبة عن هذه الأسئلة. وغالبًا ما تبدأ هذه الآيات بعبارة “يسألونك عن”. ومن الأمثلة على ذلك الاستفسارات حول صلة الأيتام، وأحكام الحيض، وأحكام تناول الخمر وغيرها.
أهمية معرفة سبب النزول
تحمل معرفة أسباب النزول فوائد متعددة، نقدم فيما يلي أبرزها:
- الأحكام الشرعية لها حكمتها العميقة، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال معرفة سبب النزول.
- توضيح المقام الخاص بالحكم لمن يعتبر أن العبرة تكمن في السبب المحدد.
- تيسير فهم الآيات الكريمة، فلا يمكن للمفسر أن يقدم تفسيراً دقيقاً للآيات دون معرفة سبب النزول.
- فهم المعنى الدقيق للآيات، وهذا لا يتحقق إلا من خلال الإلمام بأسباب نزولها.
أمثلة على أسباب النزول
توجد العديد من الآيات التي نزلت نتيجة أحداث معينة، وفيما يلي بعض الأمثلة على أسباب النزول:
- عندما صعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- على جبل الصفا لدعوة الناس، موجهًا الخطاب لعشيرته مستجابةً لأمر الله -تعالى- في قوله: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)، حيث حذرهم من العذاب الشديد للمعرضين. وقد أجاب أبو لهب بشكل سلبي فتلقى حقه من الآيات: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ).
- نهى الرسول -عليه الصلاة والسلام- عن الاستغفار للميت غير المسلم، كما حدث مع عمه أبي طالب حينما توفي على الكفر، فقال الله -تعالى-: (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى..).
- عندما أفصح حاطب بن أبي بلتعة عن سر الرسول -عليه الصلاة والسلام- قبل فتح مكة، نزلت الآيات التالية: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أن تؤمنوا بالله ربِّكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسُّرون إليهم بالمودَّة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضلَّ سواء السبيل).