في هذه الأبيات، يسرد شاعرنا محمود غنيم تلك الأمجاد التي عاشها العرب في فترات مجيدة، حيث كان الدين الإسلامي يتصدر المشهد في ذلك الزمن. تم كتابة هذه القصيدة في عام 1935، وتتألف من 54 بيتاً من الشعر، وتتبع في أسلوبها بحر الشعر البسيط.
إني تذكرت والذكرى مؤرقة
في سياق تناولنا لقصيدة “إني تذكرت والذكرى مؤرقة” التي أبدعها الشاعر محمود غنيم، نستعرض هنا بعض أبيات هذه القصيدة:
ما لي وللنجم يرعاني وأرعاهُ
أمسى كلانا يعافُ الظلام في جفناهُ
لي فيكَ يا ليلُ آهاتٌ أردِّدُها
أوَّاهُ لو أجْدت المحزونَ أواه
لا تظن أنني محبٌّ يشتكي عذابه
إنما أتحمل في الحب ما ألقاه
إني تذكرتُ والذكرى تؤلمني
مجدًا عظيمًا حققناه فأضعناه
ويحَ العروبة كانت كونية مسرحها
فأصبَحت الآن تخفى في زواياه
أنَّى اتجهت إلى الإسلام في بلد
تجدْهُ كالعصفور مقصوصًا جناحاه
كم صرفتْ يدٌ كنا نصرفها
وبات يملكنا شعبٌ ملكناه
كم بالعراق وكم في الهند ولهٌ
شكا فردَّدَت الأهرامُ شكواه
بني العمومة إن القُرحَ مسّكموا
ومسَّنا نحن أيضًا في الآلام أشباه
يا أهل يثرب أدمتْ مُقْلَتَيَّ يدٌ
بدريةٌ تسأل المصريَّ جدواه
الدينُ والضادُ من مغناكم قد انبعثا
فطبَّقا الشرقَ أقصاه وأدناه
لسنا نمدّ لكم أيدينا صلةً
لكنما هو دَيْن ما قضيناه
هل كان دِين ابنِ عدنانٍ سوى فلق
شقّ الوجود وليلُ الجهل يغشاه
هي الحنيفةُ عينُ الله تحرسُها
فكلما حاولوا تشويهها فشلوا
هل تطلبون من المختار معجزةً
يفي بجمعٍ من الأجداث أحياه
سنُّوا المساواة لا عُرْبٌ ولا عجَمٌ
ما لامرئ شرفٌ إلا بتقواه
يا من رأى عُمرًا تكسوه بردتُه
والزيتُ أدْمٌ له والكوخُ مأواه
يهتز كسرى على كرسيِّه فرَقًا
من بأسه وملوكُ الرومِ تخشاه
سلِ المعانيَ عنَّا إنّنا عربٌ
شعارُنا المجدُ يهوانا ونهواهُ
شرح أبيات قصيدة إني تذكرت والذكرى مؤرقة
تتضمن هذه القصيدة مجموعة من المعاني العميقة التي عبر عنها الشاعر من خلال الأبيات. وفيما يلي شرح موجز للأبيات:
الأبيات (1_3)
- يبدأ الشاعر بالتأمل في سبب عدم قدرته على النوم، معبرًا عن تورط النجم معه في هذا الأرق.
- الألم والحزن هما سبب سهر الشاعر، حيث يخاطب الليل معبرًا عن معاناته.
- عادةً ما يكون السهر نتيجة للشوق، لكن الشاعر يعاني من حزن لا يتعلق بالحب.
الأبيات (4_6)
- يواصل يتحدث إلى الليل، مسترجعًا ذكرياته المؤلمة؛ حيث يتذكر عصور المجد الماضية.
- ويتطرق إلى العروبة التي كانت بارزة في تلك الأوقات، والتي أصبحت الآن غائبة.
- يشبه الإسلام في عصور الإسلام الزاهية بالنسر، بينما يوصف الآن بالعصفور الذي لا يستطيع الطيران.
الأبيات (7_9)
- يمضي الشاعر في التعبير عن الألم الذي يعيشه، حيث كان العرب في مقام السادة، لكنهم الآن هم المملوكون.
- تتجلى آثار الآلام التي عانى منها الجميع في تلك الفترات.
- يشير إلى أن هذه المعاناة قد مست جميع العرب دون استثناء.
الأبيات (10_12)
- يبدأ الشاعر في البحث عن الراحة في أهل يثرب، الذين كانوا مهد الإسلام، معبرًا عن أحزانه بسبب ضعف العرب الحالي.
- يبرز الشاعر مكانة يثرب، كونها مهد اللغة والدين الإسلامي.
- يضيف إلى ذلك شكرًا لهم لدورهم الكبير في نشأة الأمة الإسلامية.
الأفكار الرئيسية في القصيدة
تتجه القصائد دائمًا إلى مجموعة من الأفكار الرئيسية. وهنا بعض الأفكار الجوهرية في هذه القصيدة:
- يبدأ الشاعر بالحديث عن معاناته التي تمنعه من النوم بسبب ذكرياته المؤلمة.
- يعبر عن ضعف العرب اليوم مقارنة بالماضي المجيد.
- يتذكر الشاعر أمجاد الدين الإسلامي وكيف كان حال الأمة في السنوات الخوالي.
- كما يستحضر خلفاء الإسلام وكيف كانت حياتهم ومبادئهم.
الصور الفنية في قصيدة إني تذكرت والذكرى مؤرقة
تتضمن القصيدة العديد من الصور الفنية التي أبدعها الشاعر، ومن أبرزها:
- الدين والضاد من مغناكم انبعثا: استعارة مكنية تصور الدين واللغة ككائن حيّ يعود للحياة.
- مجدًا تليدًا بأيدينا أضعناه: تشبيه المجد بشيء مفقود يمكن البحث عنه.
- ما لي وللنجم يرعاني وأرعاه: صورة مكنية تصور النجم كراعٍ للشاعر.
معاني أهم مفردات القصيدة
في هذه القصيدة توجد مجموعة من المفردات التي تحتاج توضيحًا، ومن أبرزها:
- تكلؤه: تعني حمايته ورعايته.
- مغناكم: تشير إلى الوطن الذي يعيشون فيه.
- مؤرق: ما يمنع النوم.
- ويح: تعبر عن الشفقة.
- تتوارى: تعني تختفي.
- شجن: تشير إلى الحزن.
- الغمض: يعني إغلاق جفن العين.
- الحنيفة: تعني التوجه نحو الدين الإسلامي.
- الفلق: هنا تعني ظهور الشيء بوضوح.