الخيار في الفقه الإسلامي
يعرّف الخيار في الفقه الإسلامي على أنه الحق في اختيار الأفضل من بين إمضاء العقد أو إلغاءه. يعتبر البيع في الأساس لازماً، حيث يهدف إلى نقل الملكية، إلا أن خيار البيع يأتي كوسيلة لحماية أطراف العقد. فقد يحدث أن يتم العقد دون دراسة كافية من أحد الطرفين أو كليهما، مما قد يؤدي إلى الندم على إتمام البيع، لذا جاء خيار البيع كحل لتفادي هذا الموقف.
أعطى الشارع للمتعاقدين فرصة للتمهل في اتخاذ القرار، إذ يمكنهما اختيار الأنسب لهما من خلال إمضاء العقد أو فسخه. وتستند مشروعية الخيار إلى الحديث المعروف في صحيح البخاري عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: (البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا، فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيْعِهِما، وإنْ كَذَبا وكَتَما مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِما).
أقسام الخيار في الفقه
يعتبر الخيار في البيع من مزايا الدين الإسلامي، ويتنوع خيار البيع بناءً على أسباب مختلفة، كما يلي:
خيار المجلس
يتيح خيار المجلس لكل من طرفي العقد حق الاختيار بين إمضاء العقد أو فسخه. يستمر هذا الخيار من لحظة اكتمال العقد وحتى التفرّق بين المتعاقدين. وقد اختلف الفقهاء في مشروعية هذا الخيار، حيث اتفق الجمهور ومن ضمنهم الشافعية والحنابلة على ثبوته، بينما رأى الحنفية والمالكية عدم اعتباره، حيث حملوا الحديث الوارد فيه على التفرّق بالأقوال وليس بالأبدان.
خيار الشرط
يتعلق خيار الشرط بشرط يعود لأحد المتبايعين أو كليهما بالإبقاء على حق الخيار لفترة محددة، خلالها يمكنهم إما إمضاء العقد أو فسخه. إذا انقضت هذه المدة دون فسخ العقد، يصبح البيع ملزماً، بينما في حال حدوث الفسخ أثناء المدة يعتبر العقد باطلاً.
خيار الخلاف في السلعة أو الثمن
يحدث هذا الخيار عندما يكون هناك خلاف بين البائع والمشتري حول سعر السلعة أو صفاتها، وتكون الأطراف غير قادرة على تقديم دليل يثبت صحة أقوالها. في هذه الحالة، يُعتبر القول للبائع مع اليمين، بينما يكون للمشتري الخيار بين قبول السعر أو فسخ العقد.
خيار العيب
يُعرّف العيب بأنه ما ينقص من قيمة السلعة المبيعة. إذا اكتشف المشتري عيباً في المبيع، يحق له إعادته للبائع واسترداد ثمنه، أو قبول المبيع مع تحمل العيب وأخذ الفارق في الثمن، وهو ما يُعرف بـ”الأرش”. إذا اختلف المتعاقدان حول من وقع عليه العيب، يكون القول للبائع مع اليمين أو يعيد المشتري المبيع ويسترد ثمنه.
خيار الغبن
يتعلق خيار الغبن بنقص في قيمة البيع. يُعتبر شخص مغبون إذا كان قد تضرر من سعر البيع. وقد ذهب الجمهور إلى أن هذا النوع من الخيار غير جائز، إذ إن الغبن مسموح به في حال كان المشتري عاقلًا وراعياً. في المقابل، ذهبت مجموعة من الفقهاء مثل الحنابلة والظاهرية إلى ثبوت هذا الخيار حرمةً للغبن.
خيار التدليس
يحدث خيار التدليس عندما يقوم البائع بعرض شيء غير موجود في السلعة لزيادة جاذبيتها للشراء، مثال ذلك التصرية، حيث يتظاهر البائع بأن محصول اللبن في البقرة كثير. يعد التدليس في البيع غير شرعي، ويمنح المشتري الحق في رد السلعة. إذا رغب المشتري في الإبقاء على المبيع بعد اكتشاف التدليس، فيلزم عليه أن يعيد معه مقداراً متفقاً، كالتمر.
خيار الخيانة
يثبت خيار الخيانة في حالة عدم مطابقة الثمن للواقع أو إذا كان أقل مما تم إبلاغ المشتري به. على سبيل المثال، إذا اشتُريت سلعة بمئة دينار ووُجد أن المشتري قد دفع مبلغاً أعلى من ذلك، فإن للمشتري الحق في رد السلعة أو الإبقاء مع أخذ الفارق في السعر.
خيار الإعسار
ينشأ هذا الخيار عندما يكتشف البائع أن المشتري غير قادر على دفع ثمن السلعة أو مماطل في سدادها. في هذه الحالة، يمكن للبائع إرجاع السلعة إذا رغب في ذلك.
خيار الرؤيا
يتيح خيار الرؤيا للبائع اختيار إمضاء العقد أو فسخه عند عرض السلعة. يختلف الفقهاء في هذا الخيار بناءً على صحة بيع السلع الغائبة. لثبوت هذا الخيار، يجب توفر الشروط التالية:
- أن تكون السلعة محل البيع موجودة وليس متمثلة في مثل أو معلوم.
- أن يكون العقد قابلاً للإلغاء.
- عدم رؤية السلعة قبل العقد أو خلالها مع عدم التغيّر.