يدعو الدين الإسلامي إلى قيم التسامح. فما هو مفهوم التسامح في الإسلام إذاً؟ يعكس التسامح القدرة على العفو عن المسيء، والبحث عن الأعذار له، وهو متجذر في نقاء القلوب، ويمثل صفة العطف والرحمة. من خلال هذا المقال، نستعرض مفهوم التسامح في الإسلام.
تعريف التسامح في الإسلام
يعد التسامح أحد الركائز الأساسية للقيم الإنسانية في الإسلام، حيث يُفهم كالتجاوز عن الأذى، والعفو عن المخطئ، ونسيان الماضي، والابتعاد عن فكرة الانتقام، والتروّي في إصدار الأحكام على الآخرين.
وقد حثت التعاليم الإسلامية على التسامح والعفو، كما ورد في قوله تعالى: “وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ” [فصلت: 34].
وأيضًا في قوله عز وجل: “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ” [النور: 22]. ويُعتبر التسامح من الصفات المميزة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي ضرب أروع الأمثلة في العفو عن الآخرين.
تجليات التسامح في الإسلام تجاه غير المسلمين
كان النبي صلى الله عليه وسلم رمزًا للتسامح، حيث تعايش مع أتباع الديانات الأخرى، وضمن لهم حرية ممارسة شعائرهم الدينية وحقوقهم. وقد أمر الله تعالى المسلمين بالتعامل السلمي مع الآخرين من أصحاب الديانات المختلفة.
قال تعالى: “لا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” [الممتحنة: 8].
كما أوضح الإسلام أن الناس جميعهم سواسية، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحدٌ، وإن أباكم واحدٌ، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى”.
أثر التسامح على الأفراد
يتجلى أثر التسامح في حياة الأفراد من خلال عدة جوانب أهمها:
- تحصيل رضا الله تعالى، فالأشخاص المتسامحون يحظون بحب الله سبحانه وتعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم.
- شعور الفرد المتسامح بالسعادة والرضا، حيث يعيش في أجواء من الصفاء وراحة البال.
- كسب محبة الآخرين وثقتهم، فالأشخاص المتسامحون يُفضلهم الناس، ويشعرون بأنهم لينون وذو رحمة.
- استقرار الحياة الأسرية، إذ تشعر الزوجة بالأمان، ويشعر الأولاد بالسكينة والاحترام تجاه والدهم.
- التسامح يجلب الخير، حيث يميل الناس إلى التعامل مع الشخص المتسامح فتنمو علاقاته ويزداد عدد محبيه.
- استقبال الأحداث بإيجابية والرضا بمشيئة الله.
أثر التسامح على المجتمع
يؤكد الدين الإسلامي على قيمة العفو، حيث يُعتبر التسامح فضيلة تعزز من العلاقات الإنسانية. يساهم التسامح في التغلب على الأحقاد والمشاعر السلبية، ويشكل خطوة حيوية لإنقاذ حياة البشر.
قال تعالى: “وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” [الشورى: 40].
يعزز التسامح الروابط الاجتماعية التي قد تتأثر سلبًا بسبب الأذى، كما أنه مسبب لنيل رضا الله عز وجل.
فالتسامح يعني العفو عن المخطئ، نسيان الأحقاد، وعدم التفكير في الانتقام، وهو لا يُعتبر تنازلًا عن الحقوق أو ضعفًا، بل هو دلالة على القوة والعزيمة على التغلب على النفس بطرق إيجابية.