أثر القرآن في تزكية النفس لدى المسلم
قد أودع الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز العديد من الآيات التي تتحدث عن عظمته وتفرده في خلق الكون وإدارة شؤونه. كما بيّن في القرآن الكريم بعضًا من أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وأوضح للناس الطريق الصحيح الذي يقودهم إلى النجاح في الدنيا والآخرة. يحتوي القرآن أيضًا على سرد لأهم المواقف والأحداث التي شهدتها الأمم والشعوب السابقة، ليكون ذلك عبرة وعظة للأجيال اللاحقة. وقد دعا الله عباده إلى قراءة كتابه بتأمل وتدبر، حيث يقول: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُ الْأَلْبَابِ). إن القرآن هو مصباح للنور ومصدر للهداية، يدعو الناس إلى مكارم الأخلاق وفضائل السلوك، ويحثهم على التمسك بها بينما ينفرهم عن السيئات. العديد من سوره مثل النور والحجرات والإسراء تحتوي على الحكم والوصايا التي لم تحتويها أي مؤلفات أخرى، مما يقود البشرية إلى سبل الخير والسعادة.
كما أشار الإمام ابن الجوزي رحمه الله إلى أن التمسك بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم يتطلب فهم ألفاظ القرآن والسنة وتطبيق أحكامهما، بالإضافة إلى السعي نحو ما ينقي النفس البشرية ويزكيها، مما يرتقي بها إلى مكارم الأخلاق. وقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثالا يُقتدى به في امتثاله للقرآن. وقد سُئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، فأجابت: (كان خُلُقُه القرآن). وهذا يدل على أن أسلافنا الصالحين كانوا يدركون أهمية إصلاح الباطن وتنقيته من الآفات التي تبعد النفس عن الله.
تحتوي الآيات الكريمة على مجموعة من الأحكام والآداب التي تسهم في تقويم السلوك ومنع ارتكاب الفواحش، وتنذر الإنسان من الأعمال التي تغضب الله وتسبب له السخط. وقد اتسمت أساليب القرآن في تزكية النفس بالتوازن بين الترغيب والترهيب، حيث يشجع على الخيرات وينهى عن المنكرات. وفي القرآن من الأدلة ما يحرر النفس من الشكوك، ويعينها على التوجه نحو اليقين بالله، ويعزز فيها الصدق والأمانة والإخلاص، مما يجعلها تسير على طريق العلم والعمل لما فيه الخير والنجاح في الدنيا والآخرة. يسعى القرآن في كل آياته نحو تزكية النفس وتهذيبها وفق منهج أخلاقي شامل.
أثر القرآن على سلوك المسلم
للقرآن الكريم تأثير كبير في تزكية النفس واستقامتها على أمر الله والالتزام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جعل الله تزكية النفس وتقويم سلوكها من أبرز المهام الموكلة إلى الأنبياء. لذا، يسعى المسلم دائمًا لدراسة حياة النبي وتتبع سلوكياته مع الآخرين ليطبقها في حياته، وفيما يلي أهم آثار القرآن الكريم الإيجابية على سلوك المسلم:
- التزام المسلم بمنهج القرآن الكريم وسنة النبي في حياته يقوده إلى سبل الخير والبركة.
- استقبال النصيحة بقبول وفتح الحوار مع الآخرين، سواء كانوا من العامة أو الخاصة، بما يتطلبه الأمر من الصدق والإخلاص.
- استقامة المسلم في حياته وباطنه، والحرص على تحسين سلوكه في السراء والضراء، والسعي للجمع بين العلم والعمل.
- توعية المسلم بأهمية الكسب الحلال، والحرص على كف الأذى عن الآخرين، بينما يتجنب المعاصي والذنوب.
- التحلي بالصبر عند الشدائد والابتلاءات، وتقبل قضاء الله برضا والتوكل عليه لتجاوز الأزمات.
أثر استماع القرآن الكريم
يعتبر استماع القرآن الكريم وسيلة فعالة لتقريب العبد إلى ربه جل وعلا، فهو ينعش النفس ويملؤها بالفرح ويسمو بها إلى مراتب عالية. كما يعزز الإيمان في القلوب ويوجهها إلى سبل النجاح. ويتميز استماع القرآن بأنه ينشر السكينة والشفاء في الصدور، كما يُذكر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر. إليكم بعض آثار استماع القرآن الكريم على النفس:
- نيل رحمة الله سبحانه وتعالى للمستمعين، كما يقول الله: (وَإِذا قُرِئَ القُرآنُ فَاستَمِعوا لَهُ وَأَنصِتوا لَعَلَّكُم تُرحَمونَ).
- الحصول على الثواب العظيم وزيادة الحسنات، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة).
- دلالة استماع القرآن على الهداية، حيث يُبعد الإنسان عن الضلالة. قال الله: (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ).
- يؤثر استماع القرآن على نور القلب في الدنيا والآخرة، كما جاء في قوله: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّـهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ).
- تقوية الإيمان في قلب المسلم، مما يسهل عليه قبول الحق واتباعه.
- تحقق الخشية في قلب المسلم، ويظهر أثرها في سلوكه، كما يقول الله: (إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَت قُلوبُهُم).
بعض المواقف الدالة على تأثير القرآن على النفس
من أكثر الناس تأثراً بالقرآن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانت عيناه تدمعان عند سماع آياته. فقد طلب النبي من عبدالله بن مسعود اقرأ عليه، وحينما بلغ إلى قوله: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ)، أمره بالتوقف، وكانت دموعه جارية خشيةً لله. يظهر أثر القرآن الكريم في جميع جوانب حياته وأعماله، حيث كان صادق العطاء. ولذلك يُروى عن عبدالله بن عباس أن النبي كان يُعرف بجوده ويزداد كرمًا خلال رمضان لأنه كان يلتقي جبرائيل ويتدارسان القرآن.”
كما تأثّر الصحابة رضي الله عنهم بشدة بالقرآن، وكان سببًا في إسلام الكثيرين منهم، كعمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقد عُرف في الجاهلية بالشدة والقصوة، لكنه حين سمع القرآن من أختة، تغيّرت حالته واهتدى للإسلام.
نفع القرآن الكريم
القرآن الكريم هو كتاب ذو منافع عظيمة، محفوظ بقدرة الله ولا يتغير، يهدي البشر إلى سبل الخير ويبعدهم عن مسالك الشر. يحتوي القرآن على دروب الفلاح في الدين والدنيا، ومن تمسك بأوامره وابتعد عن نواهيه فقد حظي برحمة الله ورضاه، وقد أكد الله أن آياته محكمة وثابتة، لا يتناقص منها شيء ولا يمكن لأحد أن ينقضها، فقال: (الر كِتابٌ أُحكِمَت آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَت مِن لَدُن حَكيمٍ خَبيرٍ). كما يُشبه القرآن في ترتيبه البناء المحكم الذي لا تشوبه شائبة. لقد أحكم الله الآيات لفظًا ومعنى، وهو وحده القادر على إدراك معانيه الكاملة، والقرآن هو الكتاب المعجز الذي لم يُعرف للبشرية نظير له في البلاغة والإتقان.