يثير التاريخ الإسلامي تساؤلات حول قرار رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعيين أسامة بن زيد لقيادة الجيش الإسلامي في غزو الروم. في ضوء ذلك، يقدم هذا المقال توضيحات حول هذا الأمر، بالإضافة إلى التعريف بشخصية أسامة بن زيد –رضي الله عنه– وبيان محبة رسول الله له.
تفاصيل تكليف الرسول لأسامة بن زيد بقيادة جيش الروم
بعد إتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، عاد إلى المدينة المنورة مع صحابته الكرام ليستأنفوا الجهاد والدعوة إلى الله تعالى. وكان أول قرار اتخذه هو تجهيز جيش لمهاجمة الروم، وكلف أسامة بن زيد بن حارثة بقيادته، مشددًا على ضرورة التوجه نحو منطقة البلقاء في بلاد الشام لردع دولة الروم وإعادة الثقة في قلوب العرب والمسلمين المقيمين على الحدود.
كان أسامة في ذلك الوقت شابًا لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، مما جعل بعض المنافقين يتداولون انتقادات حول توليته قيادة الجيش الإسلامي، معترضين على شاب لم يصل بعد إلى مرحلة النضج الكافية. وقد أشيعت الكثير من الأقاويل حول هذا الموضوع.
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بما يدور من أقاويل، فقال: “إن تطعنوا في إمارته، فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله، إن كان لخليقًا بالإمارة، وإنه لمن أحب الناس إلي” (صحيح البخاري). وبذلك حسم النبي أمر بعثة أسامة وأمر الجيش بالتحرك.
اجتمع الناس حول أسامة، وتوافدوا إلى جيشه من الأنصار والمهاجرين، وتوقفوا في منطقة الجرف على بُعد خمسة كيلومترات ونصف من المدينة المنورة. إلا أن الأخبار المقلقة حول مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلتهم يتوقفون في انتظار تطورات حالته.
عندما تدهور مرض النبي صلى الله عليه وسلم، عاد أسامة إلى معسكره وزار النبي وكان مستلقيًا على فراشه. وحين طأطأ أسامة رأسه ليقبل النبي، رفع النبي يده إلى السماء ثم وضعهما على أسامة، مما يدل على دعائه له.
وفي اليوم التالي، بعد تحسن حال النبي، أمر أسامة بالعودة إلى معسكره لاستئناف الجهاد، فتوجه أسامة إلى معسكره. ومع تدهور الحالة الصحية للنبي، أبقى الجيش موقعه في انتظار ما سيحدث حتى وردهم نعي النبي صلى الله عليه وسلم. وكان ذلك آخر بعثة خلال حياة الرسول وأول بعثة تنفذ في عهد خلافة أبي بكر –رضي الله عنه–.
من هو أسامة بن زيد –رضي الله عنه–
أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل، وكنيته أبو محمد أو أبو زيد، هو أحد أبناء الإسلام الذين لم يسبق لهم أن عاشوا في الجاهلية، حيث وُلد في السنة السابعة قبل الهجرة.
والده زيد بن حارثة كان خادمًا للرسول، وقد أوصى النبي بأن يعتبره ابنه، حيث قال في أحد المواقف: “أشهدكم أن زيد هذا ابني، يرثني، وأرثه”، ويُقال إنه من أوائل من أسلم.
وذكرت أم زيد، أم أيمن، التي كانت حاضنة النبي، وقد شهدت معركة أحد وخيبر، حيث كانت تسقي الماء وتقوم بمداواة الجرحى.
محبة رسول الله لأسامة بن زيد
نشأ أسامة بن زيد تحت رعاية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى أنه كان يرفع أسامة والحسن ويقول: “اللهم إني أحبهم فأحبهم” (صحيح البخاري). ويعتبر أسامة من أكثر الصحابة قربًا ولاءً للنبي، حيث شهد له النبي بالقدرة على القيادة والولاية، وأطلق عليه الصحابة لقب “الحب بن الحب”.
وعند معركة أحد، رد النبي أسامة لصغر سنه، لكنه كان يحاول إثبات جدارته لقيادة الجهاد حتى استجاب النبي له وأذن له بالقتال في سبيل الله. وقد أثبت أسامة شجاعته في معركة حنين وكان إلى جانب النبي في أصعب اللحظات حتى أذن الله بالنصر بعد الهزيمة.
كما شهد أسامة استشهاد والده في غزوة مؤتة، وكان أسامة آخر من دعا له النبي عندما جرب مرضه الأخير، حيث قبله النبي ورفع يده إلى السماء داعيًا له.
باختصار، لقد تم تناول موضوع تكليف رسول الله لأسامة بن زيد بقيادة جيش غزو الروم مع التعريف بشخصية أسامة ومكانته الخاصة لدى النبي ومدى حبه له.