الخيل والليل والبيداء تعرفني
يتحدث المتنبي عن شموخه من خلال قوله:
- الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُنـي
وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـمُ
سافرت في الفلاة وحيدًا
فَأدهشَتني الطبيعةُ والجبالُ
يا من يصعب علينا الفراق بهم
فإنّ القلوب تَعتبر الحياةَ بلا وجودهم
ما كان أجدرنا منكم بالتقدير
لو أنّ أمرَكم من أمرَنا تعالى
إنْ كان سَرّكم ما قاله الحاسدون
فما لجُرحٍ إنْ كان يرضيكم ألمُه
بيننا لو كنتم قد حَظيتم بمعرفتي
إن المعارف في أهل العقل أمانةٌ
كم تطلبون لنا عيبًا فلا تستطيعون
ويكره الله ما تفعلون، مع الكرمِ
ما أبعدَ العيبَ والنقص عن شرفي
أنا الثريا وذلك الشيب والهرم
ليتَ الغمامةَ التي عندي صواعقها
تُحوّلهم إلى إذن يحفظُ البركاتِ
دع الأيام تفعل ما تشاء
تاليف الشافعي:
- دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ
وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ
ولا تَجزَع لِحادثةٍ من حوادثِ الزمنِ
فما لحوادثِ الدنيا من بقاءٍ
وكن رجلًا على الأهوال شجاعًا
ويجب أن تكونَ صفاتك الكرمَ والوفاء
وإن كثرت عيوبك في عيون الناظرين
ويسرك أن يُعطى لها سترٌ
فأنت تستر بكل سخاء، كما قالوا السخاءُ
ولا تُظهر للأعداء قَط ذُلًا
فإنّ شَماتة الأعداء بلاءٌ
ولا تُرجُ السخاء من بخيلٍ
فما في النيران للظمآن ماءٌ
ورزقك ليس يُنقِصه التَأَنّي
وليس يزيد في الرزق العناءُ
ولا حزن يدوم ولا سرور
ولا بؤس عليك ولا رخاء
إذا كنت ذا قلبٍ قنوعٍ
فأنت ومالكُ الدنيا سواءٌ
كم صرعت من أسد العرين
يقول المكزون السنجاري:
- كَمَ صَرَعتُ مِن أُسُدِ العِرينِ
عينُ المَهى بأسهُم العُيونِ
وكم حَبَلٌ سليم وقع في الهموم
أدينت لأجل الفناء
وعينٌ تستيقظ بجرح الهوى
أيّقَظن في وَسَن الجفونِ
ونفسٌ تعاني الجوى أذابت الحزن
فامتزجت حزنًا من الشؤون
فما أفلحت الأرواح التي رأتها الناظرات
لِلظَبياتِ الآنِساتِ العيونِ
مربَياتٌ تحتلّ السهول
بِسَفكِ دمي المحقون
ألمخجلاتُ الشمس نوراً من المعيرة
تُحقق للعُصون اعتدالاً بالمكان
المثرِياتُ من جمالٍ وهية
المماطلات بنزهة الأموال
ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي
للشاعر امرؤ القيس:
- أَلا عِم صَباحاً أَيُّها الطَلَلُ البالي
وهل يكون هناك من كان في العصور الخالية
وهل هناك أحد سعيدٌ مُخلَّدٌ
قليلُ الهمومِ ما يبيتُ بأوجاله
وهل يذكرون من كان حديثُ عهدٍ
ثلاثين شهراً في ثلاثة أحوال
ديارٌ لسلمى عافياتٌ عند خالٍ
ألحَّت عليها كلُّ سحيمٍ هطَّالٍ
وتحتسب سلمى لا تزال تَرى طَلٌّ
من الوحش أو بيضاء بمَيْثاءِ محلٍّ
ووتحتسب سلمى لا نزال كعَهدي
بوادي الخزامى أو على رَسم وعال
ليالي سلمى إذ تُريكَ منَصّبًا
وجيدًا كجيد الرئم ليسَ بمِعطالٍ
ألا زعمَت بسباسةِ اليوم أنني
كبِرتُ وأن لا يُحسنَ اللهوَ أَمثالِي
أقامت لدى مرآتها تتأمل
يقول إيليا أبو ماضي:
- أَقامَت لَدى مَرآتِها تَتَأَمَّلُ
على غفلةٍ ممّن يلومُ ويعذلُ
وبين يديها كلما ينبغي لمن
يُصَوِّرُ أشباحَ الوَرى وَيُمَثِّلُ
من الغيد تقلي كل ذات ملاحٍ
كَمَا باتَ يَقلي صاحبَ المنال مُرملُ
تَغارُ إذا ما قيل تلك مليحةٌ
يطيب بها للعاشقين التغزّلُ
فَتحمرُّ غيضاً ثم تحمر غرَابةً
كَأن بها حُمّى تَجيء وتُقفلُ
وتضمر حقداً للمحدثِ لو درى
بهذا المِسكين ما كاد يَهزرُ
أثارَ عليه حقدَها غير عامدٍ
وحقد الغواني صارمٌ لا ينفصِلُ
يا عين جودي بدمع هاجه الذكر
للشاعر جرير:
- يا عَينُ جودي بِدَمعٍ هاجَهُ الذِكَرُ
فما لِدَمعِكَ بَعدَ اليَومِ مُدَّخَرُ
إِنَّ الخَليفَةَ قَد وارى شَمائِلَهُ
غَبراءُ مَلحودَةٌ في جولِها زَوَرُ
أمسى بَنوها وقد جَلَّت مُصيبَتُهُم
مثل النُجومِ هَوى من بَينِها القمرُ
كانوا شُهوداً فلم يَدفع مَنِيَّتَهُ
عَبدُ العَزيزِ ولا روحٌ ولا عُمَرُ
وخالدٌ لو أرادَ الدَهر فِديَتَهُ
أغلَوا مُخاطَرةً لو يُقبَل الخَطرُ
قَد شَفَّني رَوعَةُ العَبّاسِ مِن فَزَعٍ
لمّا أَتاهُ بِديرِ القَسطَلِ الخَبَرُ
من يطلب الدهر تدركه مخالبه
للشاعر النابغة الذبياني:
- مَن يَطلِبِ الدَهر تُدرِكهُ مَخالِبُهُ
والدهرُ بالوترِ ناجٍ غيرُ مطلوبِ
ما مِن أُناسٍ ذَوي مَجدٍ ومَكرُمةٍ
مَن يَطلِبِ الدَهر تُدرِكهُ مَخالِبُهُ
والدهرُ بالوترِ ناجٍ غير مُطلَبِ
ما مِن أُناسٍ ذَوي مَجدٍ ومَكرُمةٍ
إِلّا يَشُدُّ عَلَيهِم شِدَّةَ الذئبِ
حتّى يُبيدَ على عَمدٍ سَراتهِمُ
بالنافِذاتِ مِنَ النَبلِ المَصايبِ
إِنّي وَجَدتُ سِهامَ المَوتِ مُعرِضَةً
بِكُلِّ حَتفٍ مِنَ الآجالِ مَكتوبِ
يا عين جودي بالدموع
تقول الخنساء:
- يا عَينِ جودي بِالدُموعِ
المُستَهِلّاتِ السَوافِح
فَيضاً كَما فاضَت غُروبُ
المُترَعاتِ مِنَ النَواضِح
وَابكي لِصَخرٍ إِذ ثَوى
بَينَ الضَريحَةِ وَالصَفائِح
رَمساً لَدى جَدَثٍ تُذيعُ
بِتُربِهِ هوجُ النَوافِح
السَيِّدُ الجَحجاحُ وَاِبنُ
السادَةِ الشُمِّ الجَحاجِح
الحامِلُ الثِقَلَ المُهِمّ
مِنَ المُلِمّاتِ الفَوادِح
رضيت لنفسك سوءاتها
يقول أبو العتاهية:
- رَضيتَ لِنَفسِكَ سَوءاتِها
وَلَم تَألُ حُبّاً لِمَرضاتِها
وَحَسّنتَ أَقبَحَ أَعمالِها
وَصَغَّرتَ أَكبَرَ زَلّاتِها
وَكَم مِن سَبيلٍ لأهلِ الصِبا
سَلَكتَ بِهِم في بُنَيّاتِها
وَأَيُّ الدَواعي دَواعي الهَوى
تَطَلَّعتَ عَنها لِآفاتِها
وَأَيُّ المَحارِمِ لم تَنتَهِك
وَأَيُّ الفَضائِحِ لم تَأتِها
كَأَنّي بِنَفسِكَ قَد عوجِلَت
عَلى ذاكَ في بَعضِ غِرّاتِها
وَقَامَت نَوادِبُها حُسَّراً
تَداعى بِرَنَّةِ أَصواتِها
أَلَم تَرَ أَنَّ دَبيبَ اللَيالي
يُسارِقُ نَفسَكَ ساعاتِها
وَهَذِهِ القِيامَةُ قَد أَشرَفَت
عَلى العالَمينَ لِميقاتِها
وَقَد أَقبَلَت بِمَوازينِها
وَأَهوالِها وَبِرَوعاتِها
وَإِنّا لَفي بَعضِ أَشراطِها
وَأَيّامِها وَعَلاماتِها
رَكَنّا إِلَى الدارِ دارِ الغُرو
إِذ سَحَرَتنا بِلَذّاتِها
فَما نَرعَوي لَأَعاجيبِها
وَلا لِتَصَرُّفِ حالاتِها
نُنافِسُ فيها وَأَيّامُنا
تَرَدَّدُ فينا بِآفاتِها
وما يَتَفَكَّرُ أَحياؤُها
فَيَعتَبِرونَ بِأَمواتِها
فيا لشجا قلب من الصبر فارغ
يقول ابن خفاجه:
- فَيا لِشَجا قَلبٍ مِنَ الصَبرِ فارِغٍ
وَيا لِقَذى طَرفٍ مِنَ الدَمعِ مَلآنِ
وَنَفسٍ إِلى جَوِّ الكَنيسَةِ صَبَّةٍ
وَقَلبٍ إِلى أُفقِ الجَزيرَةِ حَنّانِ
تَعَوَّضتُ مِن واهاً بِآهٍ وَمِن هَوىً
بِهَونٍ وَمِن إِخوانِ صِدقٍ بِخَوّانِ
وَما كُلُّ بَيضاءٍ بَروقٍ بِشَحمَةٍ
وَما كُلُّ مَرعىً تَرتَعيهِ بِسُعدانِ
فَيا لَيتَ شِعري هَل لِدَهرِيَ عَطفَةٌ
فَتُجمَعَ أَوطاري عَلَيَّ وَأَوطاني
مَيادينُ أَوطاري وَلَذَّةُ لَذَّتي
وَمَنشَأُ تَهيامي وَمَلعَبُ غُزلاني
كَأَن لَم يَصِلني فيهِ ظَبيٌ يَقومُ لي
لَماهُ وَصِدغاهُ بِراحي وَرَيحاني
فَسَقياً لِواديهِم وَإِن كُنتُّ إِنَّما
أَبيتُ لِذِكراهُ بِغُلَّةِ ظمآنِ