قصيدة أُرِيدُ الرَّحِيلَ
- يقول الشاعر عبد العزيز جويدة:
أُرِيدُ الرحيلَ
إلى أرضٍ جديدةٍ
إلى أرضٍ بعيدةٍ
إلى أرضٍ لم تراها العيون
ولم تدنّسها ذنوب البشر
أُرِيدُ التنقلَ بين الكواكبِ
يومًا أسافرُ بين النجومِ
ويومًا أستريحُ في حضن القمر
وأحيانًا أغني كما تفعل الطيور
وأحيانًا أستظل مثل الشجر
أُرِيدُ الرحيلَ إلى أرضِ المحبة
إلى أرضِ التسامح
إلى أرض السلام لكافة البشر
أُرِيدُ الرحيلَ إلى أرض الفضيلة
لأن الحياة هنا مستحيلة
لأن الرذيلة
تُحطِّم الصفات النبيلة فينا
وتُحرق كل المعاني الجميلة
فيا أرضُ، أُحمِلُكِ كعُمري
وأرحل عبر السنين الطويلة
فأين الطريقُ الذي يؤدي إليكِ؟
وكيف يكون الوصول؟
وأين الوسيلة؟
أُرِيدُ الرحيلَ إلى أرض العدالة
فكل الحقوق لدينا تضيع
ونحن نعيش في عصر الجهالة
لقد قتلنا الرسولَ،
وأحرقنا الرسالة
فكيف تكون الحياة على أرضٍ
تُخلِّفُ فينا عصور الوَحشة؟
أُحبكِ، يا أرضُ، على الرغم من انتظاري
فلم أشعر بطعم الملالة
ستبقين حُلمي
حتى وإن أدركتُ
أن الوصول إليكِ يعدّ مستحيلاً
يا طول شوقي إن قالوا الرحيل غدا
- يقول أبو فراس الحمداني:
يا طولَ شوقي إن قالوا الرحيل غداً
لفرّقَ اللهُ فيما بيننا أبداً
يامن أُصافيهِ في قربٍ وفي بعدٍ
ومَن أُخالِصُهُ إن غابَ أو شهدَا
لا يُبعِدِ اللهُ شخصاً لا أرى أنسا
ولا تطيبُ لي الحياة إذا بعدا
راع الفرَاق فؤاداً كنت تُؤنِسهُ
وذرَّ بين الجفون الدمع والسهدَا
أضحى وأضحيتُ في سرٍ وفي علنٍ
أعدّهُ والداً إذ عدّني ولداً
ما زال ينظم فيّ الشعر مُجتهداً
فضلاً وأنظم فيه الشعر مُجتهداً
حتى اعترفتُ وعزّتني فضائلهُ
وفاز سبقاً وحاز الفضل مُنفرداً
إن قصر الجهد عن إدراك غايته
فأعذروا الناسَ من أعطاكَ ما وجدا
أبقى لنا الله مولانا ولا برحت
أيامُنا أبداً في ظله جُدداً
لا يترق الفائض المحذور ساحتهُ
ولا تمد إليه الحادثات يداً
الحمد للهِ حمدًا دائماً أبداً
أعطاني الدهرُ ما لم يُعطِهِ أحدا
قصيدة أزف الرحيل وحان أن نتفرقا
- يقول إيليا أبو ماضي:
أزفَ الرحيلُ وحانَ أن نتفرقا
فإلى اللقاء يا صاحبيّ، إلى اللقاء
إن تبكيا فقد بكيتُ من الأسى
حتى لكدتُ بأدمعي أن أغرِقا
وتسعَّرَت عند الوداع أضالعي
نارًا خشيتُ بحَرّها أن أحرِق
ما زلتُ أخشى البينَ قبل وقوعه
حتى غَدَوتُ وليس لي أن أفترِق
يومَ النوى لله ما أقسى النوى
لولا النوى ما أبغضت نفسي البقاء
رحنا حيارى صامتين كأنما
للهول نحذر عنده أن نَنطِق
أكبادنا خفاقةٌ وعيوننا
لا تستطيع من البكا أن تَرْمِق
تتجاذب النظرات وهي ضعيفةٌ
ونُغالِبُ الأنفاسَ كيلا تُزهَق
لو لم نُعَلِّل باللقاءِ نفوسَنا
كادت مع العبرات أن تتدفق
يا صاحبيَّ، تصبّرا فلربما
عدنا وعاد الشمل أبهى رونقاً
إن كانت الأيام لم ترفق بنا
فمن النهى بنفوسنا أن ترِفُق
إنّ الذي قدّر القطيعةَ والنوى
في وسعِه أن يجمعَ المتفرّقا
ولقد ركبتُ البحرَ يزأر هائجاً
كاللّيث فارق شِبلَه بل أَحنق
والنفسُ جازعةٌ ولستُ ألومها
فالبحرُ أعظمُ ما يُخاف ويُتَّقى
فلقد شهدتُ به حكيمًا عاقلًا
ولقد رأيتُ به جهولاً أخرقًا
مستوفيزٌ ما شاء أن يلهو بنا
مترافقٌ ما شاء أن يترافق
تتنازع الأمواج فيه بعضَها
بعضًا على جهلٍ تُنازعُنا البقاء
بينما يراها الطرفُ سورًا قائمًا
فإذا بها حالَت فصارت خندقًا
والفلكُ جاريةٌ تشقُّ عبابَهُ
شقًا كما تفري رداءًا أخلَقا
تعلو فنحسبُها تأمُّ بنا السماء
وتظنُّ أننا راكبون مُحَلَّقًا
حتى إذا هبَطَت بنا في لجّةٍ
أيقنتُ أن الموتَ فينا أحدق
والأفقُ قد غطّى البابَ أديماً
فكأنما غشي المُدادَ معرقًا
لا الشمسُ تسطعُ في الصباحِ ولا نرى
إما استطالَ الليلُ بدراً مشرِقًا
عشرون يومًا أو تزيدُ قضيتُها
كيف اتفَتُ، رأيتُ ماءً مُغدِقًا
نيويوركُ يا بنتَ البخارِ، بنا اقصُدي
فلعلنا في الغربِ ننسى المشرِق
وطنٌ أردناهُ على حبِ العُلى
فأبى سوى أن يستكينَ إلى الشقا
كالعبدِ يخشى بعد ما أفنى الصبى
يَلهو به ساداتُه أن يُعَتَّقا
أو كلما جاءَ الزمانُ بمُصلحٍ
في أهله قالوا طغى وتزندقا
فكأنما لم يكفِهِ ما قد جَنوا
وكأنما لم يكفِهِم أن أَخفَقا
هذا جزاء الجمود ذوي النهى في أُمَّةٍ
أخذ الجمودُ على بنيها موثقًا
وطنٌ يضيقُ الحرُّ ذرعاً عندهُ
وترى بالأحرار ذراعًا أضيقًا
ما إن رأيتُ به أديبًا موسرًا
فيما رأيتُ ولا جهولًا مُملِقًا
مشَت الجهالة فيه تسحبُ ذيلها
تيهًا وراح العلمُ يمشي مُطرِقًا
أمسى وأمسى أهلهُ في حالةٍ
لو إنها تَعرو الجمادَ لأشفَقا
شعبٌ كما شاءَ التخاذلُ والهَوى
متفرِّقٌ ويكادُ أن يتمزَّق
لا يرتضي دينَ الإلهِ مُوَفَّقًا
بين القلوبِ ويرتضيه مُفَرَّقًا
كَلِفٌ بأصحابِ التعبُّدِ والتُقى
والشرُّ ما بينَ التعبُّدِ والتُقى
مستضعفٌ إن لم يُصب متملِّقًا
يومًا تملق أن يرى متملِّقًا
لم يعتقد بالعِلمِ وهو حقائقٌ
لكنَه اعتقدَ التمائمَ والرُقى
وربما كره الجمودَ وإنَّما
صعبٌ على الإنسان أن يتخلَّقًا
وحكومةٌ ما إن تُزَحزِحُ أحمقًا
عن رأسها حتى تولّي أحمقًا
راحت تُناصِبُنا العِداءَ كأنَّما
جئنا فريًّا أو ركبنا موبِقًا
وأبت سِوى إرهامِنا فكأنما
كلُّ العدالة عندَها أن نُرهَق
بينما الأجانب يعبَزون بها كما
عبث الصبا سحرًا بأغصان النقا
بغدادُ في خطرٍ ومصرُ رهينةٌ
وغدًا تنالُ يدُ المطامع جِلَقى
ضعُفَت قَوائِمُها ولمّا ترعَوي
عن غيِّها حتى تزولَ وتُمحَقا
قيلَ اعشَقوها، قلتُ لم يبقَ لنا
معها قلوبٌ كي نحبّ ونعشق
إن لم تكن ذاتُ البنينِ شفيقةً
هيهاتَ تلقى من بنيها مُشفِقًا
أصبحْتُ حيثُ النفسُ لا تخشى أذًى
أبدًا وحيثُ الفكرُ يغدو مُطلَقا
نفسي اخلُدي ودعي الحنينَ فإنما
جهلٌ بعيدُ اليومِ أن تتشوقا
هذه هي الدنيا الجديدةُ فانظري
فيها ضياءَ العلمِ كيف تألَّقا
إني ضمِنتُ لكِ الحياةَ شهيةً
في أهلها والعيشَ أزهرَ مُونِقًا
قصيدة آذنت جارتي بوشك رحيل
- يقول المرقش الأصغر:
آذَنت جارتي بوشك رحيل
باكرًا جاهَرَتْ بخَطبٍ جليل
أَزْمَعَت بالفراقِ لمّا رَأَتني
أُتْلِفُ المالَ لا يذُمَّ دخيل
اربعِي إنما يريبكِ مني
إرثُ مجدٍ وجِدُّ لُبٍّ أصيل
عجبًا، ما عَجِبتُ للعاقِدِ الما
لِورَيْبُ الزمانِ جَمُّ الخبيل
وَيضيعُ الذي يصيرُ إليهِ
من شقاءٍ أو مُلكٍ خُلدٍ بجيل
أجمِلِ العيشَ إن رزقكَ آتٍ
لا يردُّ التَرقِيح شَرْوَى فتيِل