تحية من صبا بردى العذب
تحيةٌ من صبا بردى الأرقّ،
ودموعٌ لا تُكَفكَفُ، يا دمشق،
ومعذرةٌ من المداد والقوافي،
لذِكرى الفقدان التي تدقّ القلب،
ألتفت إليكِ أبدًا، والقلب يخفقُ،
وبما ألقت إليّ الليالي،
جراحٌ عميقةٌ قد استقرت في القلب،
دخلتُكِ والأصيل يندمجُ في لحظاته،
ووجهُكِ مبتسمٌ عذبُ السجايا،
تجري الأنهار تحت جنانكِ،
وأوراقكِ تعطرُ الغيوم والجبال،
وحولي شبابٌ يزدادون بهاءً،
لهم في المجد وسبقُ الفضل،
على ألسنتهم أشعارٌ تنبثقُ،
وفي قلوبهم حكمٌ تُروى بالكلمات،
أخجلتُ كبرياءهم حتى تلهّبت،
أنوفُ الأسود تشتعل بعمقها،
وضجّت كل حرّ حين يسمع،
نبأٌ من أمويةٍ رائعاتُ،
الله يُكرمها بخبرٍ متواصل،
نفصلها إلى الدنيا بوسائل،
ونجملها نحو الأفق كأسراب نور،
حتى كاد البهاء يتلاشى بروعته،
ومن التاريخ، قيل: دمر كل ما فيه،
وقيل إنّه تعرض لتلفٍ سريع،
أليست دمشق للسلام رمزًا،
ومغذيةَ الأبوّة لا تُنَكِّر؟
صلاح الدين تاجكِ، لم يُحسَن،
ولم يُصنّع بمكنةٍ غيره فائق.
تداخل الضوء والظلام ينسينا
تداخلُ الضوء والظلام ينسي،
أذكر لي الصبا وأيام الأنس،
صف لي مؤانساتٍ من شبابٍ،
تشكّلت من رؤى وأحاسيس،
عصفت كالصبا الخفيف ومرت،
السنة لطيفة، والمتعة مختار،
هل سلا القلب عن ذكرى مصر؟
أو شفى الزمن جرحه الحزين؟
كلما انقضت الليالي عليه،
رقّ، والعهد في الليالي ينسي،
مضطربٌ إذا أبحرت السفن،
في أول الليل، أو شعرتَ بنبضة،
راهب في الأعماق للسفن يُعد،
مهما دُفعت القلوب إلى الهدوء،
يا ابنةَ اليم، ما أبوكِ بشحيح؟
ما الذي يدفعه للمنع والحرمان؟
أليس حرامًا على الطيور العامة؟
والحلال كالمساحة لكل جنسه،
كل دار تُسحق الأهل غير،
في أجواءٍ غير نبيلة عبثية،
نفسي نارٌ وقلبي شراعٌ،
بهما في الدموع سيرًا وأستقر،
اجعلني وجهكِ منارةً ومجرة،
بين ثغلٍ ومكسِ.
وطني إن انشغلت بالخلود عنهُ،
كان نفسي نازعَني إليه في رغبة،
وهو في القلب كالصيف الشديد،
ظمأه من ظلال عين الشمس،
شهدَ الله أنه لم يغب عن أعيوني،
شخصه سلبُ حواسي،
يصبح الفكر والمسألة هائل،
مع روائع الأوقات تظهر،
وأنا أنظر الجزيرة يجلبها مكان،
نجومه طيرٌ مع دقات أجراس،
هى بلقيسٌ في بهاءٍ لا يُضاهى،
من عمقٍ وصحبٍ غير مهزوم،
يُحسب لها أن تكون للنيل عرسًا،
قبلها لم تُجَنّ أي يومٍ بحضور،
لبست بالأصيل حلّةً متقنة،
بين صنعاء وثيابٍ مدهشة،
قَدَتها النيل فاستحيت وتوارَت،
بين الجسور بين عريٍ ولباس،
وأرى النيل كالعقيق في الصحراء،
وإن كان كسراة المتحركين،
ابن ماء السماء ذو الموكب الساطع،
الذي ينقضُّ على العيون ويخفي،
لا ترى في ركبته غير مُثنى،
بكاملٍ وشاكرٍ فضل العرس،
وأرى الجيزة الحزينة ثكلى،
لم تفق بعد من مناحة رمسي،
زاد ضجّة السواقي عليه،
وسؤال القلم عنه يهمس،
ووقوف النخيل ينسج شعرًا،
وتجرّدت غير طوقٍ وسلس.
وكأن الأهرام ميزان الفراعنة،
يومٍ على الجبابرة نحسٌ،
أو قناطيرُهُ يَقبلن فيها،
ألفُ جابٍ وألفُ صاحبٍ مكس،
روعةٌ في الضحى ملاعب جنٍّ،
عندما يغشي الدجى حماها ويغني،
ورهن الرمال أُفطس غير،
أنه صُنعُ جنةٍ غير مُقصر.
تتجلّى حقيقة الناس فيه،
سَبُعُ الخلق في أرجاء إنسان،
لعبَ الدهرُ في ثراهُ صبيًّا،
والليالي كواعِب غير عانسٍ،
ركبَت صيَدُ المقادير عينيه،
لنتاجٍ ومخالب لفرسٍ،
فأصابت بها المماليك كسرى،
وهراقلاً والعَبقري الفرنسي.
يا فؤادي، لكل أمر قرارٌ،
فيه يبدو وينجلي بعد لبسٍ،
عقلَت لجّة الأمور عقولاً،
طالَت الحوتَ طُولَ سِباحٍ وغَسِّ،
غَرقَت حيث لا يُصاحُ بطافٍ،
أو غريقٌ ولا يُصاخُ لحسٍ،
فلكٌ يكسف الشمس نهارًا،
ويُسمّ البُدورَ ليلةً وكسرٍ.
ومواقيت الأمور إذا ما،
بلغت الأمور صارت لعكسٍ.
دولٌ كالرّجال مرتهناتٌ،
بقيامٍ من الجدود وتعسٍ.
وليالٍ من كلّ ذات سوارٍ،
لطمت كلّ ربِّ رومٍ وفارسٍ،
سدّدت بالهلال قوسًا وسلّمت،
خنجراً يخترق من كلّ ترسٍ.
حكمت في القرون خوفو ودارا،
وعفت وايلاً وألوت بعبسٍ.
أين مروان في المشارق عرشًا،
أُمويٌ وفي المغارب كرسي،
سقمَت شمسُهم فردّ عليها،
نورُها كل ثاقب الرأي نطسٍ.
ثم غابت وكل شمس غير هاتٍ،
كأن تمضي وتطوي تحت رمسي.
وعظم البحتري إيوان كسرى،
وشفتني القصور من عبد شمس،
ربّ ليلاً سَرَيتُ والبرق في عيني،
وبساطٍ طويته والريح تُحسّ،
أنظم الشرق في الجزيرة بغير،
وأطوي البلاد حزنًا لدهسٍ.
في ديارٍ من الخلائف درسٍ،
ومنارٍ من الطوائف طمسٍ.
وربى كالجنان في كنف الزيتون،
خضرٍ وفي ذرا الكرم طُلسٍ.
لم يرعني سوى ثرى قرطبيٍّ،
لمست فيه عبرةَ الدهرِ خمسي.
يا وقا اللهُ ما أُصَبِّحُ منهُ،
وسقى صفوة الحياة ما أُمسي.
قريةٌ لا تُعدُّ في الأرض كانت،
تُمسكُ الأرضَ أن تميد وتُرسي.
غشِيَت ساحلَ المحيط وغطّـت،
لجّةَ الرومِ من شراعٍ وقلسٍ.
ركبَ الدهرُ خاطري في ثراها،
فأتى ذلك الحمى بعد حدسٍ.
فتجلّت لي القصور ومن فيه،
ها من العزّ في منازلِ قُعسٍ.
ما ضفّت قَطُّ في الملوك على نذرٍ،
للمعايِل ولا ترددت بنجسٍ.
وكأني بلغت للعِلم بيتًا،
فيه ما للعقول من كل درسٍ.
قدسًا في البلاد شرقًا وغربًا،
حجّه القوم من فقيهٍ وقسٍ.
وعلى الجمعة الجلالَة والنسيم،
سرُّ نورِ الخميس تحت الدرفسِ.
يُنزل التاج عن مَفارِقٍ دون،
ويُحلى به جبين البِرِنسِ.
سِنةٌ من كرىً وطيفُ أمانٍ،
وصحا القلب من ضلالٍ وهجسٍ.
وإذا الدارُ ما بها من أنيسٍ،
وإذا القومُ ما لهم من محسنٍ.
ورقيقٌ من البيوت عتيقٌ،
جاوز الألف غير مذموم الحرسِ.
أثرٌ من محمدٍ وتراثٌ،
صار للروح ذي الولاء الأماسي.
بلغ النجم ذروةً وتناهى،
بين ثهلان في الأساس والقدسِ.
مَرمرٌ تسبَحُ الناظِرين فيه،
ويطول المدى عليها فتُرسى.
وسوارٌ كأنها في استواءٍ،
أَلفاتُ الوزير في عرضِ طرِسٍ.
فترة الدهر قد كست سطريها،
ما اكتسى الهُدبُ من فتورٍ ونعسٍ.
ويحَها كم تزينت لعلمٍ،
واحدٍ من الدهر واستعدت لخمسٍ.
وكأن الرفيف في مسرح العي،
نِ ملاءاتُ مدنراتُ الدِمقسي.
وكأن الآيات في جانبَيهِ،
يتنزّلن في معارج قدسٍ.
منبرٌ تحت مُنذرٍ من جلالٍ،
لم يزل يكتسيهِ أو تحت قسٍ.
ومكان الكتاب يُغريك ريّا،
وردِهِ غائبا فتدنو للمس.
صنعةُ الداخِل المبارك في الغَر،
بآلٍ له مَيَامين شمسٍ.
من لحمراء جُللَت بغُبارِ الدهر،
كالجُرحِ بين برءٍ ونُكسٍ.
كأشعة البرق لو محا الضوء لمحة،
لمحَتها العيونُ من طولِ قبسٍ.
حصنُ غِرناطةَ ودارُ بني الأحمر،
<pِ من غافلٍ ويقظانَ نَدسٍ.
جَلّلَ الثلجُ دونها رأسَ شيرى،
فبدا منه في عصائبِ بَرَسٍ.
سَرْمَدٌ شيبُه ولم أَرَ شيبًا،
قبله يُرجى البقاءَ ويُنسي.
مشَت الحادثات في غُرفِ الحَمِراء،
مشيَ النعيّ في دارِ عُرسٍ.
هتكت عِزّةَ الحجاب وفَضّت،
سدّةَ الباب من سميرٍ وأُنسٍ.
عَرَصاتٌ تخلّت الخيل عنها،
واستراحت من احتراسٍ وعسِ.
ومغانٍ على الليالي وضاءٌ،
لم تجد للعشيّ تكرارَ مسٍ.
لا ترى غير وافدينَ على التاريخ،
ساعينَ في خشوعٍ ونكسٍ.
نقلوا الطرف في نضارةِ آسٍ،
من نقوشٍ وفي عصارَةِ ورسِ.
وقبابٍ من لازوردٍ وتبرٍ،
كالرّبى الشم بين ظِلٍ وشمسٍ.
وخطوطٍ تكفلّت للمعاني،
ولألفاظِها بأزينَ لبسٍ.
وترى مجلسَ السباعِ خَلاءً،
مُقفِرَ القاعِ من ظِباءٍ وخَنسٍ.
لا الثريا ولا جواري الثريا،
يتنزّلن فيهِ أَقمارَ إنسٍ.
مَرمرٌ قامتِ الأُسودُ عليهِ،
كَلَّةَ الظُفرِ لَيِّناتِ المَجَسِّ.
تَنثُرُ الماءَ في الحِياضِ جُمانًا،
يتنزّى على تَرائِبَ مُلسِه.
آخرَ العهدِ بالجزيرةِ كانت،
بعد عركٍ من الزمان وضرسٍ.
فترَاها تقولُ رايةُ جيشٍ،
بادَ بالأمسِ بين أسرٍ وحَسٍ.
ومفاتيحُها مقاليدُ مُلكٍ،
باعها الوارثُ المُضيعُ ببخسٍ.
خرجَ القَومُ في كتائبَ صُمٍّ،
عن حفاظٍ كموكبِ الدفنِ خُرسِ.
يا ساكني مصر
يا ساكني مصر، إنّا لا نزالُ على
عهد الوفاء، وإن غبنا مُقيمين،
هلا بعثتم لنا من ماء نهركم،
شيئًا نبل به أحشاء صاداتنا؟
كل المناهل بعد النيل آسنة،
ما أبعد النيل إلا عن أمانينا.