ما هو مفهوم الصراط المستقيم؟ جميعنا نتأمل في عبارة الصراط المستقيم أثناء قراءتنا للقرآن، ونتساءل: ما الذي يعنيه هذا المصطلح؟ هل هو جسر مادي سنسير عليه يوم القيامة، أم أنه طريق روحي يتبع فيه المرء تعاليم الله، مُتجهًا نحو الجنة كنهاية لهذا المسار الهام؟ في هذا المقال، نستعرض مفهوم الصراط المستقيم ونستعرض المواضع التي تم ذكره فيها في القرآن الكريم.
تعريف الصراط المستقيم
نردد في صلواتنا الآية {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} مرارًا، ندعو الله أن يهدينا إلى صراطه المستقيم، دون أن نتساءل قليلاً حول معنى هذا المفهوم. لذلك، سنقوم بتتبع معنى الصراط المستقيم من خلال تفسيره لغويًا واصطلاحيًا.
تفسير الصراط المستقيم لغويًا واصطلاحًا
لنبدأ في الغوص في معاني الصراط المستقيم وفقًا لما ورد في لسان العرب والمصادر المختلفة:
1- الصراط المستقيم من الناحية اللغوية
للإجابة على تساؤلاتنا حول الأصل اللغوي لهذه الكلمة، يمكننا الإشارة إلى بيت شعر للشاعر جرير بن عطية الخطفي يقول:
أمير المؤمنين على صراط إذا اعوج الموارد مستقيم
فكلمة “الصراط” تعني الطريق، كما استخدمت في أشعار العرب لوصف أي قول أو عمل سواء كان مستقيمًا أو معوجًا.
2- الصراط المستقيم اصطلاحًا
لقد ذُكر الصراط المستقيم في العديد من الآيات القرآنية التي تعكس معاني الحق والهداية. وقد اختلفت آراء العلماء والمفسرين حول معناه؛ فقد اعتبره بعضهم القرآن الكريم، وآخرون رأوا أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيما اعتبره آخرون اتّباع تعاليم الله ورسوله. إليكم بعض الآراء:
- ابن القيم: عرف الصراط المستقيم بأنه “الطريق الذي نصبه الله لعباده عبر رسله، وهو الموصل إلى الله، ولا توجد طريقة أخرى”.
- الفضيل بن عياض: ذكر أن الصراط المستقيم هو طريق الحج.
- محمد بن الحنفية: اعتبره دين الله الذي لا يقبل سواه.
- عاصم الأحول: قال إن الصراط المستقيم هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه.
- الإمام أبو جعفر بن جرير: أشار إلى أنه الطريق الواضح الذي يخلو من الانحراف.
- ابن مسعود: اعتبر الصراط المستقيم هو القرآن الكريم.
- المزني: شبه الصراط المستقيم بطريق الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم-.
الموضع الذي ذُكر فيه الصراط المستقيم في القرآن الكريم
إذا تتبعنا مواضع ذكر الصراط في القرآن، سنجد أنها وردت في ما يقارب 38 موضعًا، بالإضافة إلى سبعة مواضع أخرى تضمنت مشتقاتها. كل تلك المواضع تتناول معانى متقاربة، وسنسلط الضوء على بعض منها:
1- معنى الصراط المستقيم في سورة الفاتحة
ظهر الصراط المستقيم في سورة الفاتحة، حيث قال الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة – 6: 7].
حين يردد المصلي هذه الآية، يكون الله تعالى قد أجاب بالمعنى الذي طلبه، حيث فسر الشيخ السعدي أن هذه الآية تعني “دلنا على الطريق الواضح الذي يقودنا إلى الله والجنة”، وبالتالي فإن الصراط المستقيم في سورة الفاتحة يشير إلى الإسلام.
2- الصراط المستقيم في سورة البقرة
ذُكر الصراط المستقيم في قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سورة البقرة، الآية 142] حيث تشير الآية إلى طريقة الهداية الصحيحة.
3- الصراط المستقيم في سورة آل عمران
جاء في قوله تعالى: {إنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [الآية 51، سورة آل عمران]
وفقًا للتفسير الميسر، فإن المقصود بالصراط المستقيم هنا هو الطريق الخالي من الاعوجاج، كما أوضح السعدي بأنه الطريق المؤدي إلى الله وجنته.
كما ذُكر في نفس السورة: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ فَمَن يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الآية 101، سورة آل عمران]
4- الصراط المستقيم في سورة النساء
تم ذكر الصراط المستقيم في سورة النساء، حيث قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الآية 175، سورة النساء]
تم تفسير الآية على أنها تشير إلى الطريق المستقيم الذي يقود إلى الجنة، وقد قدم تفسير الجلالين بأن المقصود هو دين الإسلام.
5- الصراط المستقيم في سورة المائدة
ذُكر الصراط المستقيم في سورة المائدة كالدين القويم، حيث وردت الآية: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الآية 16، سورة المائدة].
6- الصراط المستقيم في سورة الأنعام
قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الآية 39، سورة الأنعام]، حيث تعكس هذه الآيات نفس المعاني المتعلقة بالصراط المستقيم.
هل الصراط المستقيم جسر مادي أم طريق معنوي؟
يتردد قول شائع بأن الصراط المستقيم هو جسر يتم نصبه فوق جهنم يوم القيامة. إلا أنه يمكن القول بعدم وجود تأكيد واضح على الطبيعة المادية لهذا الصراط، إذ لم يتم الإشارة إليه بشكل صريح في أقوال السلف أو أهل التفسير. يشير بعض العلماء إلى أن للصراط المستقيم بعدين:
- صراط معنوي: ويعني دين الإسلام وشرائعه التي يتبعها المسلمون للوصول إلى الجنة.
- صراط مادي: يشير إلى الجسر الذي يُنصب فوق جهنم والذي يعبر عليه المسلمون يوم القيامة. وقد أشار الشيخ عبد العزيز السلمان إلى أن عبور هذا الجسر يعتمد على استقامة العبد على الصراط المعنوي في الدنيا، حيث أن أي انحراف في الصراط المعنوي قد يؤدي إلى زلل قدمه على الصراط المادي.
في الختام، وبعد مراجعة مفهوم الصراط المستقيم ومواقع ذكره في القرآن الكريم، نجد أن الصراط المستقيم يمثل طريق الله ودين الإسلام الذي يجب أن يسعى المسلم للحفاظ على استقامته، حتى يتسنى له السير في صراط الآخرة بلا زلل.