قصيدة أسئلة الحنين
- يقول الشاعر عبدالوهاب المنصوري:
يسودني الشوق أحيانًا ويغلبني
ما أتعس الوجد والأشواق إذا انتصروا
يا رائد الشوق، اجعلني أزور بلدي
وأهلي، فقد تركت أمًّا وأبًا هنا
أبي عزيزي، لذاك الحضن قد ظمئتْ
روحي، فخذني، فقلبي يا أبي خربُ
لقد عققت طقوس العشق في وطني
هل يذكر الماء الآن وجهي والقرب؟
كيف حال خيمتنا؟ كانت دافئة بالحب
تنتصب في أعلى الجبال مثل القلب
أبي، قد نسيت حقول القمح المتلألئة
ونوَرجتي، وحصاني، فالهوى نبضٌ
أنا الغريب، لي أهل ووطني
هذا نديمي، وهذه كأسي، وهذا العنب
أنا الحزين، لي خمر وملاذ
فالحزن نار، وقلبي في اللهب حطب
يا رب، إلى متى سأظل أغترب؟
إلى متى يا إلهي في الفراق أركض؟
ما بال أسئلتي لا تنتهي أبدًا؟
لماذا أزداد ابتعادًا عندما أقترب؟
فغربة الأنبياء بعض غريبتي
يا جثتي، لقد طال بي التجوال والتعبُ
قصيدة الشوق الأخير
- يقول الشاعر معز عمر بخيت:
في مشاعري
تمازج البحار، السهول، والقمم
وفي دواخلي يسافر النغم
إلى غياهب السماء في مدينة العدم
إليكِ يا رفيقتي
تودّد النهار، وابتسم
وهاجم في الطريق وجدته، ولم يدم
توجعي، وآهة القطار
حين تستظل في حوائط الألم
فها هو المدى بكفك اليمين
أجج الحنين في صعوده إليك
من قواقع الجنون لا تكاءة الوهم
خطاكِ يا صحيفة التكون الحديث
أغنيات من يشق من غباره تهجى
بمسجد الحياة في خناجر السأم
وأحمل الوفاء في كتاب قصة الزمان
مشعلاً وهمًا
إذا أتيت بالسكون يبحث الأمان
في مضاجع الزخم
ويحمل الصمود في ابتداعه قلم
ويكتب الرحال مخرجًا
من الغيوم فوق جرحه القديم
حين نام والتأم
أكون من أكون، فالحريق قصة
من الشعور تستكين في تسامحي
وتنقش الأنين في ترقبي وشم
خطاكِ يا حبيبتي بعيدة
عن احتواء دربي الطويل
فالمداخل الجريئة لم تقم
وإن توحدت عيون شوقنا
فلا مفر من فراق همنا
ليصبح الصفاء في وجودنا عشم
عليك ابتغى
توارد القصائد التي تشبعت
بعشقي السحيق في القدم
ولست نادمًا
على اتكاء صمتك الأخير
لست غاضبًا
من الخروج من دواخل العبير
واعلمي
بأنني الوحيد في طريقي
تحطمت الندم
لكنني أخاف من تعلقي
ومقصد البكاء غاب عن شواردي
مسافة من الزمان
وحدة بغابة النقاء
في غيابه انسجم
أخاف ما أخاف من رجوعك
التقهقري للوراء
حين غاب صدق غايتي
من احتقان قصة الوفاء بالسقم
وكيف أنطوي بعزتي
وأدمع السماح لا تزال
تشد صحوتي
إلى شواطئ الضياع
في ربوع من تحد واقتحام
جسارتي وقوة الأبناء في أصالتي
فهيا يا تشتتا ألم
عارضًا بأدمعي فناء وانزاح
وحينما جلست في تأمل
أراقب الخواطر التي تدور في أواخر الزحام
في مسيرتي
لأجل أن يطل وعد ما اغتسلت
من دواره همم
علمت أنها الحياة تحمل الأمان لحظة
ولحظة تفارق النعم ..
وأننا لمقبلان في مطافنا
بأنجم تهل في أكفنا
فتقرأ المقاصد التي في غيبنا
وتستجم ..
برؤية تقول في اجتياحها
بأننا نهم
على تساقط الحنين أننا
بوهدة التشوق الجسور لم نقم
وأننا مفارقان خطوة
تسير للوراء كل يوم ..
تأكدي، حبيبتي بأنني بدأت عزلتي
لأجل أن تطيب مقلتيك من هواجس التهم ..
وأنني أحاول الوثوب
من سحابك الوثير هاوياً
بواقع الحياة كي أنام
بصدري الدخان في انتشاره الطويل
حين حلمي الجميل هم
أقول إنها الهموم، يا حبيبتي
وإنها الوساوس التي تشدني
إلى الخروج من تراجعي إليك
في مداخل الرجوع يضطرم
لعلها الحروف قد تعودت
وداعي الذي يطل يا حبيبتي
إليك من منافذ الهرم
فها أنا مسافر
لبيتي القديم، فامنعي
توسّلي إليك في دواخلي
ففي ختام ما أقول، كان فاصلي
وكان شوقي الأخير نازفًا
وجارفًا
وكان آخر البكاء من تردد الحنين
في فراقك المؤلم، دم
كان آخر البكاء من تردد الحنين
في فراقك المؤلم، دم
قصيدة الحنين
- يقول الشاعر إبراهيم ناجي:
أمسي يعذبني ويضنيني
شوقٌ طغى طغيانًا مجنونًا
أين الشفاء ولمَ يعد بيدي
إلا أضاليل تداويني
أبغي الهدوء ولا هدوء وفي
صدري عباب غير مأمون
يهتاج إن لَجَّ الحنين به
ويئن فيه أنين مكسور
ويظل يضرب في أضلاعه
وكأنها قضبان محروم
ويل للحنين وما يجرعني
من مرٍّ ويبيت يسقيني
ربيتُه طفلًا بذلتُ له
ما شاء من خفض ولين
فاليوم لمّا اشتد ساعده
وربا كنوار البساتين
لم يرضَ غير شبيبتي ودمي
زادًا يعيش به ويفنيني
كم ليلة طويلة لازمني
لا يرتضي خلاً له دوني
ألفي له همسًا يخاطبني
وأري له ظلاً يماشيني
متنفسًا لهبًا يهبُّ على
وجهي كأنفاس البراكين
ويضمنا الليل العظيم وما
كالليل مأوى للمساكين
من قصيدة أهاجك شوقٌ بعدما هجَعَ الركب
- يقول الشاعر الأبيوردي:
أهاجك شوق بعدما هجَعَ الركب
وأودم المطايا في أزمتها تحبو
فأذريت دمعًا ما يَجِفُّ غروبُهُ
وقلَّ غناءً عنك وابله السكب
تحن حنين النيب شوقًا إلى الحمى
ومطلبه من سفح كاظمة صعب
رويدك إن القلب لجَّ به الهوى
وطال التجني من أميمة والعتب
وأهون ما بي أن ليلة منعج
أضاءت لنا نارًا بعلياء ما تخبو
يَعُطُّ جلابيب الظلام التهابه
وينفح من تلقائها المندل الرطب
فجاءت بريَّاها شمال مريضة
لها ملعب بين أكبادنا رحب
وبلت نجاد السيف منِّي أدمعٌ
تصان على الجلي ويبذلها الحب
فكاد بترجيع الحنين يجيبني
حسامي ورحلي والمطِيَّة والصحب
ونشوانة الأعطاف من ترف الصبا
تغير وشاحيها الخلاخيل والقلب
إذا مضغت غبّ الكري عود إسحل
وفاح علمنا أن مشربه عذب
أتي طيفها والليل يسحب ذيله
ودعنا والصبح تلفظه الحجب