قصيدة الليل للشاعر ياسر الأطرش
في ظلام الليل يتلاشى خوفُ القلوب،
وتنفتح الصدور،
وتزدهر الأحلام كالأعشاب فوق وسادة الزمن الفقير.
يأتي الأسى ليعبر بنا في ظلام الليل،
وتتواجد الأحزان فوق بيوتنا،
الكلمات تتخلص من غبارها،
وتستقر على بياض الصمت.
في النهر الفاصل بين الحقيقة والكلام،
يُقبل الليل وتختفي فيه ظلال الظلام،
وتبدأ الأشياء خطوتها البريئة.
نام كل شيء، لكن لا شيء فعلياً نام.
في الليل تُغسل القلوب بماء صحوتها،
وتنبض بالسلام للناس.
في الليل تُغرس الشوارع بالحنين،
والوجد يقتلع الخرائط من عيونها البنفسجية،
والليل هو نافذة تطل على الندى.
الليل يمثل رحلة المدى، ويجسد مذبحة الطيور.
إنه قبعة الغريب، وخطوة الأعمى، طريق آخر نحو الموت،
أو موتٌ نهائي.
الليل هو أجنحة الفقراء،
وصوتي عندما تتلاشى أصواتي.
الليل هو وجهي،
حينما تُصلبني الأرض مقاتلاً فوق الرخام.
الليل،
ذاك السواد المزروع في الفراغ،
القمقم السحري، والجسد الغريب.
إنه المعطف السري،
والمسار من البعيد إلى القريب.
هذا الشارع الروحي،
تقطعه الصلاة،
وظل عينها التي ترابط خلف زجاجها المسكون،
حتى سكرها بالياسمين.
الليل هو مذبحة الحنين،
وأنا حبيبي، صرخة كانت ستضيء،
لو لامستها أصوات.
لكن البنادق لا تحب البشر، إلا عندما يكونون صامتين.
أنا حبيبي، في ليلة الميلاد،
أعبر في ثغرات الأمنيات نحو الألم.
ثلج، وعيون الشهداء على بياض الثلج موتى.
من يصطاد أحلام الأطفال،
ومن يُصوّر على عينيكِ وجهًا غيري،
من يحرف في الوريد دم الوطن؟
أهو الليل؟
أم أن الذين نحبهم هم ليل يسافر بيننا كي لا نضيء؟
وهل نحن نكره جوعنا إلى الليل،
يغمض ضفتيه على مواعيد تؤلمنا ويؤخر قدومه؟
الليل متهم بريء،
طفل بلا أم ولا وطن،
يسافر ليعود إلى السفر.
الليل هو قلب من مطر،
نتكئ عليه ولا ينام.
الليل هو، طوال الليل،
صلاة تدعو للسلام للناس.
قصيدة أنا والليل للشاعر صباح الحكيم
أنا والليل يا عمري،
سأعيش والدجى هو دربي،
بين الماضي والمستقبل،
سأصبح حبيس آهات قلبي،
ودموعي على خدي.
فدع الليل يغمرني بحزن،
أعانق طيفك المحفور،
مثل النور الذي يسكن صدري.
أناشد أجفاني لأجلُك،
وطيفٌ في قلب مداه.
أخاف عليك من همسي،
ومِن نفسي،
ومِن زخات أشواقي،
ومن أنهار الحب المتدفقة.
أخاف عليك من خوفي،
وذات الحزن في قلبي.
أما تصغي أيا حبي؟
فإن مرّت بلطف،
ألا تدري؟!
تشتاق إليك عواطفي،
وأنغام الهوى تئن.
إلى عينيك يملّ قلبي،
ألم تسمع نحيب الروح في كلماتي؟
ألم تقرأ أشعاري،
التي تحملك بحبٍ نبيل،
بها همسي،
وعين الوجد تحميك،
ونبضاتي.
أما أخبرتك الأشواق عن ليلي،
وعن طيف الهوى الذي يرتاح في صدري؟
أنا والليل يا قمري،
أستمد من نورك الهدى،
وطيفك يملأ جفني.
فلا أنساك يا عمري،
ولا أنسى،
هفيف الهمس من شفتيك،
حتى وإن كان الهوى زائفاً،
سأحضنه وأرعاه، وأرويه برؤى وجدي.
وسأحنو عليه، ونحن ننام،
وفي صحوي،
أناغيك.
أنا هيمانة، والشوق يأسرني،
أخاف عليك،
أخاف عليك من شغفي،
ومن ولهي إلى كفيك،
إلى عينيك،
أخاف عليك.
قصيدة منتصف الليل جزيرة مقفرة للأديبة غادة السمان
التقيت بالغول في باريس،
تجوّلنا بعد منتصف الليل،
واشتكى لي من أنه يحب العصافير والأطفال والنجوم والغيتار،
ولم يأكُل طفلاً مرة كما تدّعي الأمهات لتخويف الصغار.
بكى لأنه يهربون إلى الرصيف الآخر لدى مروره.
التقيت بالعنقاء في باريس،
تجولنا بعد منتصف الليل،
قالت إنها لم تخرج حقاً من رمادها،
لأنها لم تحترق أصلاً،
ولم تجد بعد حبًا يشعلها.
ودعت الغول والعنقاء، وبحثت عن الخل الوفي،
وما زلت أتجول طويلاً بعد منتصف الليل،
بحثًا عنه،
وما زال منتصف الليل جزيرة مقفرة.
قصيدة الليل للشاعر عبد السلام زريق
ليلٌ وذكريات تتجمع،
ميعادنا ضلّ الطريق،
والجفن يصرخ: ها أنا هنا،
غريقٌ في الحزن.
والشوق يعزف لحننا،
ويئن في وهن وضيق.
واللهب يضيء ذكرياتي،
ينطلق في صحراء التيه،
من جرعة الحزن المروّعة.
يتساقيان ويثملان.
يا أنتما،
ماذا فعلت لأطفئ نجومك في داخلي؟
وقد زرعت لكما الحياة بين تلك الغيوم،
أنتما تعربدان وتطالبان.
برد الوصال من الزمان ولا جواب.
حُقانٍ من تبرٍ وطيب،
في كل ناحيةٍ آن.
ليل يُخضِّبُه السكون،
يجري ويصرخ في جنون.
أنتِ البعيدة في حبك،
وأنتِ الأقرب ربما.
ليلٌ يعود بفخر،
والصمت يبحث في أعماق الوجود.
لا شيء سوى الأمنيات بلا شفاه أو قيود.
من قصيدة الليل في الريف للشاعر محمد السنوسي
ليل الريف يختلف عن ليل المدن،
فافتح ذراعيك للأرياف، واحتضن،
واستقبل الليل فيها، إنه الهالة،
مثل طائرين يجذبان العين بالنعاس.
كأنه فيلسوفٌ مشدوه مما يرى،
أو شاعرٌ عبقريٌّ مُغمرٌ،
في غمرات الوحي لا يدرك الزمن.
أو خاطرٌ في ضمير منفصل،
بطهره ومزاياه عن الأحقاد.
أو عاشقٌ غارق في حب فاتنة.
فليس يعنيه كان أو سيكون.
صمتٌ يحلق بالأرواح في آفاق،
من السكون الثرّي بجمال،
يضفي على صفاءه الأجواء.
تلتقي في معانيه وصورته،
روح السماء وجسد الأرض.
ليل الريف يُعزى إلى معاطفه،
وملءُ روح الهوى في جوانحه.