أين تعيش شخصية جحا؟، من الذي لا يعرفه أو لم يسمع قصصه الطريفة؟ ومع ذلك، قليل من الناس يعرف تاريخها وأصلها.
تعتبر شخصية جحا إحدى الشخصيات الفكاهية الخيالية في التراث الشعبي الذي يطال العديد من الثقافات العريقة.
نبذة عن شخصية جحا
- جحا، المعروفة أيضًا باسم أبو الغصن دجين الفزاري، هي شخصية فكاهية خيالية في الأدب العربي.
- عاش في النصف الأول من حياته في القرن الأول الهجري، بينما استمر النصف الثاني في القرن الثاني الهجري.
- شهد الفترة الأموية وعاش حتى زمن الخليفة المهدي، حيث قضى معظم سنوات حياته في الكوفة.
- تجاوز عمره التسعين عامًا وهو من أقدم الشخصيات التي يُنسب إليها النكات العربية.
- اختلف المؤرخون والرواة حول شخصيته، فاعتبره البعض مجنونًا، بينما رأى فيه آخرون رجلًا عاقلًا.
- كان يتظاهر بالحماقة والغباء ليتمكن من التعبير عن آرائه النقدية والسخرية من الحكام بحرية.
انتشار قصص جحا
- مع انتشار حكاياته وقصصه المضحكة، تهافتت الأمم على قصصه. كل أمة مرتبطة بالدولة الإسلامية
- قامت بصياغة شخصية جحا بطريقة تناسب ثقافتها وظروفها.
- بينما تغيرت الأسماء والأشكال في بعض الأحيان، إلا أن شخصية جحا الأحمق وحماره ظلت ثابتة.
- في الحقيقة، الطرائف المذكورة في كتاب “نوادر جحا” هي نفسها، حيث لم يتغير إلا أسماء الملوك والمدن والأحداث.
- عاش جحا العربي في القرن الأول الهجري، ولكن انتشرت حكاياته في القرنين الثاني والثالث.
- أصبح جحا وحكاياته مادة شائعة في العصور اللاحقة.
- ألفت مئات من الحكايات الطريفة تناسبت مع جوانب من الثقافات الأخرى.
- حيث أحب الناس وجود شخصية جحا في أدبهم الشعبي لتناول الحكام بالسخرية، وبالتالي تم نقلها إلى أدابهم.
شخصية جحا في الثقافات الأخرى
- يمكن رؤية شخصية نصر الدين خوجه في تركيا، وغابروفو جحا في بلغاريا، وملا نصر الدين في إيران.
- كما تظهر في أرمينيا على هيئة جحا سليط اللسان، وآرو جحا في يوغسلافيا المغفل، وخوجة في إيطاليا ومالطا.
- عند العودة إلى التاريخ، نجد أن هذه الشخصيات تبلورت وعرفت في القرون المتأخرة.
- يرى البعض أنها شخصيات أسطورية غير موجودة أصلًا، حيث القضاء على بقاء التقاليد الشعبية.
- كما عرفت حكاياتها في القرون الستة الأخيرة، وأقدم شخصياتها هو الخوجة نصر الدين التركي.
- الذي عاش في عصر تيمورلنك في القرن الرابع عشر الهجري، وتمثل قصصه أكثر من مجرى الأحداث مع هذا الطاغية المغولي.
أصل شخصية جحا ومكان عيشها
- تباينت الآراء حول أصل جحا، حيث يُعتقد أنه يعود إلى أبي دجين الفزاري الذي عاش في العصر الأموي.
- بينما هناك رأي آخر يشير إلى أن جحا له جذور تركية من إحدى مدن إسطنبول.
- وهناك أيضًا احتمال أن يكون الشيخ نصر الدين الخوجة الرومي الذي عاش في قونية خلال الحكم المغولي لبلاد الأناضول.
- توجد آراء أخرى تشير إلى أن جحا هو نفسه أبو النواس البغدادي الذي شهد زمن هارون الرشيد.
- في كل الآراء، عرفت شخصية جحا بالفكاهة والذكاء الحاد وسعة الحيلة.
جحا العربي
- حققت شخصية جحا العربي شهرة واستمرارية ملحوظة عبر العصور.
- وأدت اتساع العالم الإسلامي إلى أن غلب الواقع الفني على الوجود التاريخي، مما يشير إلى أنها شخصية حقيقية.
- كان معروفًا بين معاصريه بشجاعته وذكائه الحاد، إذ اتسم بالحكمة والفكاهة.
- استخدم أسلوب ادعاء الحمق والغباء في مواجهة التحديات اليومية.
- تخللت العديد من الأحداث الكبرى الفترة التي عاش فيها جحا، مما أثر على أسلوبه وفلسفته في الحياة.
- استدعى أبو مسلم الخراساني جحا بسبب شهرته في الكوفة ليحصل منه على النكات أثناء حروبه.
- لكنه خاف من موقفه وادعى الجنون مما أثار إعجاب المسؤولين.
- تحدث أبو مسلم عنه أمام الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، الذي أبدى اهتمامًا باستدعائه إلى دار الخلافة.
- استمر جحا في ادعاء الجنون حتى أطلق سراحه بعد إعجاب الخليفة به.
- سُرف له المنصور بعطاءات ومنح، مما جعل لهذا اللقاء أثرًا عميقًا على شهرته، وهنا أطلق جحا مقولته المعروفة “حمق يعوضني خير من عقل أعاله.”
كتاب جحا
- بدأ اسم جحا يظهر في أدبيات القرنين الثاني والثالث للهجرة، مرتبطًا ببعض النوادر كما ذكر الجاحظ.
- مع وصولنا إلى القرن الرابع، كانت نوادره قد دونت شفويًا في سياق الأسواق وتم تسميتها كتاب جحا.
- تصدر الكتاب المشهد الثقافي حيث ذكر النديم في الفهرست أنه يعد من أقدم التراجم التاريخية لجحا.
- ثم ذُكرت الترجمة الإضافية لأبي منصور بن الحسين في موسوعة نثر الدرر في عام 421 هجريًا.
- تعددت التراجم من مختلف المصادر التاريخية والأدبية فيما بعد.
- رغم اتفاق الكثير على الوجود التاريخي لجحا، إلا أنهم تبرأوا من بعض النوادر التي تبدو غير معقولة.
- ذكر المؤرخون أنه كان لديه جيران يُنسب إليهم بعض الطرائف.
- كما تم إضافة نوادر تتعلق بأشخاص آخرين مغفلين وعقلاء بينهم.
- اختار الوجدان الشعبي العربي جحا كشخصية رمزية للفكاهة، حيث نُسبت إليه آلاف النوادر.
- كما أشار عباس محمود العقاد في كتابه “جحا الضاحك المضحك”.
- من الواضح أنه لو تفرغ جحا لتأليف النوادر المنسوبة إليه، لما تمكّن من إتمامها قبل حدوث ذلك.
- هذا يشير إلى انفصال جحا عن سياقه التاريخي وتحوله إلى رمز فني تُجمع حوله حكايات متعددة.
استكمالًا لشخصية جحا العربي
- تتوارث الأجيال في سرد المأثور الحيوي حتى الآن، إذ هو تجسيد جماعي للتعبير عن تجربة الشعب العربي.
- تجسدت آمالهم وتجاربهم من خلال شخصية جحا الفلكلورية.
- عبر جحا عن تطلعات الشعب ورؤيتهم للعالم، وتأملاتهم الاجتماعية والسياسية والدينية.
- وقد صيغت هذه الرؤية بأسلوب فني راقٍ.
- تتميز الحكايات الطريفة ببلاغتها، حيث تجسد نوادر التراث العربي كافة خصائص الحياة.
- في القرن العاشر الهجري، مع السيطرة العثمانية، أحب الأتراك نموذج جحا العربي.
- استندوا على القصص والنوادر ونقلوها إلى اللغة التركية وأعطوها أسماء مشابهة.
ما لا تعرفه عن جحا العربي
- وُصف الخوجة نصر الدين بأنه فقيه ومعلم وقاضي، وقد التقى تاريخياً بتيمورلنك.
- جاءت بينهما مواقف تعكس تصرفات هذا الطاغية وتعاملاته القاسية.
- بعد انسجام الثقافتين التركية والإيرانية في العصور الوسطى، ادعى الإيرانيون أن لديهم شخصية جحا.
- وهو الملأ نصر الدين، مشيرين بأن النوادر كانت إيرانية الأصل.
- ازدادت شهرة الشخصية الفكاهية في كل من تركيا وإيران، بينما احتفظت بشهرتها الأصلية بين العرب.
- هكذا، أصبحت هذه النماذج الثلاثة جزءًا من التراث الشعبي الإسلامي.
- انتقلت النوادر الجحوية إلى الأدب العالمي، وخاصة في البلدان الإفريقية والأوروبية والروسية وبلاد البلقان والصين.
- توزعت شخصيات جحا على الأقطار العربية، ليظهر “جحا المصري” و”جحا الليبي” و”جحا السوري” و”جحا العراقي”.
- فتشكلت تعددية يمكن ملاحظتها في بعض الأعمال الأدبية.
- حدث اختلاط في تفكير المثقفين العرب، مما أدى إلى تدوين كتب ومقالات حول جحا دون التحقق من أصوله العربية.
- إذ أن الدراسات الفلكلورية الحديثة أثبتت أن كل قطر عربي لديه نماذج تحمل ملامح الجحاوي العربي.
- تجسد عبقرية الشعب العربي وفلسفة جحا في كيفية مواجهة الحياة، حيث يمكن تحويل المآسي إلى كوميديا.
- إلى جانب تفاعل الإنسان مع الوقائع بطريقة متفائلة تجلب الضحك.
- استطاع جحا مواجهة تحديات الحياة بأسلوب فريد، إذ خلق شخصية تسخر منه وتحول المآسي إلى طرائف.
- مما يخفف من مصاعب الحياة على الناس.
- صنفت النوادر التي قدمها المؤرخون إلى قسمين رئيسيين.
- الأول يتناول نوادر الحمق والجنون، وهي تعبير عن الذكاء.
- أما القسم الآخر فهو نوادر الذكاء، التي نقصت بالتالي في تصنيفات المحدثين للتراث الجحوي.
نوادر الذكاء
- تتضمن النوادر السياسية تفاعل المجتمع الشعبي مع السلطة.
- مثل السلطان، القضاة، والأمن الداخلي في أجواء القهر والظلم.
- تشمل عصور التحول التاريخي وما تتضمنه من تناقضات اجتماعية ونفسية.
- تُعبر نوادر جحا السياسية عن أصوات الشعب العربي في النقد.
- تشكل النواحي الأخرى بابًا هامًا للنقد السياسي في الأدب العربي بشكل عام.
- وتستمر النوادر الاجتماعية في الإبداع والتطوير حتى يومنا هذا.
- يسعى الشعب العربي إلى تقديم شخصية جحا بصورة إيجابية تعكس مواقفه وتجاربهم.
- مع التأكيد على رحلته في الحياة وما يستشف منها.
- يعيش جحا في تفاصيل الحياة، حيث تتواصل مواقفه مع الناس.
- تشمل علاقته بزوجته وولده، وكذلك طور الأحداث اليومية.
- عاش جحا بفيض من السخرية، حيث أصبح صديقًا لحمار يشاركه تلك النظرة على الحياة.