العلم وأهميته
تتجلى قيمة العلم بشكل واضح في تأثيره الإيجابي على الأمم والأفراد. فبينما قد يمتلك بعض الجهلة المال والسلطة، إلا أنهم يظلون كالأوعية الفارغة، لا يحملون سوى الهواء. في المقابل، نجد عالمًا قد لا يملك شيئًا، ولكنه يتسم بالرضا ويعتبر علمه درعًا يحميه من مصاعب الحياة. إن العلم هو كنز ثمين لا يدرك قيمته إلا من اختبر صعوباته وفضل العزلة في سبيله. لقد أظهر العلم ولا زال يُظهر مكانته كرمز للشموخ والتقدم؛ لذا، فإننا في هذه المقالة سنستعرض أجمل القصائد التي أبدع الشعراء في الحديث عن العلم.
قصيدة يوم العلم
الشاعر عبد الله البردوني، الذي وُلِد عام 1929 في قرية بردون باليمن، تخرج من دار العلوم في صنعاء عام 1953، وعُيّن أستاذًا للأدب العربي في نفس المؤسسة. له عشرة دواوين شعرية، منها: “لعيني أم بلقيس”، “مدينة الغد”، و”السفر إلى الأيام الخضر”. توفي الشاعر في صباح يوم الاثنين عام 1999. نظم قصيدة بعنوان “يوم العلم”، يقول فيها:
ماذا يقول الشعر؟ كيف يرنّم؟
هتف الجمال: فكيف يشدو الملهم
ماذا يغني الشعر؟ كيف يهيم في
هذا الجمال؟ وأين أين يهوّم؟
في كلّ متجه ربيع راقص
وبكلّ جو ألف فجر يبسم
يا سكرة ابن الشعر هذا يومه
نغم يبعثره السنى ويلملم
يوم تلاقيه المدارس والمنى
سكرى كما لاقى الحبيبة مغرم
يوم يكاد الصمت يهدر بالغنا
فيه ويرتجل النشيد الأبكم
يوم يرنحه الهنا وله غد
أهنا وأحفل بالجمال وأنغم
يا وثبة “اليمن السعيد” تيقظت
شبّابة و سمت كما يتوسّم
ماذا يرى “اليمن” الحبيب تحققت
أسمى مناه وما يتوهّم
فتحت تباشير الصباح جفونه
فانشقّ مرقده وهبّ النوم
وأفاق والإصرار ملء عيونه
غضبان يكسر قيده ويدمدم
ومضى على ومض الحياة شبابه
ويقظان يسبح في الشعاع ويحلم
وأطل يوم العلم يرفل في السنى
و كأنّه بفم الحياة… ترنّم
يوم تلقّنه المدارس نشأها
درسا يعلّمه الحياة ويلهم
و يردّد التاريخ ذكراه وفي:
شفتيه منه تساؤل وتبسّم
يوم أغنيه ويسكر جوّه
نغمي فيسكر من حلاوته الفم
وقف الشباب إلى الشباب وكلهم
ثقة وفخر بالبطولة مفعم
في مهرجان العلم رفّ شبابه
كالزهر يهمس بالشذى ويتمتم
وتألّق المتعلّمون… كأنّهم
فيه الأشعّة والسما والأنجم
يا فتية اليمن الأشمّ وحلمه
ثمر النبوغ أمامكم فتقدّموا
وتقحموا خطر الطريق إلى العلا
فخطورة الشبان أن يتقحموا
وابنوا بكفّ العلم علياكم فما
تبنيه كفّ العلم لا يتهدم
واسألوا من نحن؟ ما تاريخنا؟
وتعلموا منه الطموح وعلموا
هذه البلاد وأنتم من قلبها
فلذ وأنتم ساعداها أنتم
فثبوا كما تثب الحياة قوية
إنّ الشباب توثب وتقدم
لا يهتدي بالعلم إلا نير
بهج البصيرة بالعلوم متيم
وفتى يحس الشعب فيه لأنه
من جسمه في كل جارحة دم
يشقى ليسعد أمّه أو عالماً
عطر الرسالة حرقة وتألم
فتفهموا ما خلف كل تستر
إن الحقيقة دربه وتفهم.
بقوة العلم تقوى شوكة الأمم
محمود سامي البارودي، المعروف بمحمود سامي باشا، وُلِد لنسب شركسي مصري. كان قائدًا شجاعًا وانضم إلى صفوف الثوار عند اندلاع الثورة العربية. وعندما دخل الإنجليز القاهرة، تم القبض عليه وأدين بالإعدام، لكن الحكم تم تغييره إلى النفي إلى جزيرة سيلان. نظم قصيدة بعنوان “بقوة العلم تقوى شوكة الأمم”، قال فيها:
بِقُوَّةِ الْعِلْمِ تَقْوَى شَوْكَةُ الأُمَمِ
فَالْحُكْمُ فِي الدَّهْرِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَلَمِ
كَمْ بَيْنَ مَا تَلْفِظُ الأَسْيَافُ مِنْ عَلَقٍ
وَبَيْنَ مَا تَنْفُثُ الأَقْلامُ مِنْ حِكَمِ
لَوْ أَنْصَفَ النَّاسُ كَانَ الْفَضْلُ بَيْنَهُمُ
بِقَطْرَةٍ مِنْ مِدَادٍ لا بِسَفْكِ دَمِ
فَاعْكِفْ عَلَى الْعِلْمِ تَبْلُغْ شَأْوَ مَنْزِلَةٍ
فِي الْفَضْلِ مَحْفُوفَةٍ بِالْعِزِّ وَالْكَرَمِ
فَلَيْسَ يَجْنِي ثِمَارَ الْفَوْزِ يَانِعَةً
مِنْ جَنَّةِ الْعِلْمِ إِلَّا صَادِقُ الْهِمَمِ
لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسَاعِي مَا يَبِينُ بِهِ
سَبْقُ الرِّجَالِ تَسَاوَى النَّاسُ فِي الْقِيَمِ
وَلِلْفَتَى مُهْلَةٌ فِي الدَّهْرِ إِنْ ذَهَبَتْ
أَوْقَاتُهَا عَبَثًا لَمْ يَخْلُ مِنْ نَدَمِ
لَوْلا مُدَاوَلَةُ الأَفْكَارِ مَا ظَهَرَتْ
خَزَائِنُ الأَرْضِ بَيْنَ السَّهْلِ وَالْعَلَمِ
كَمْ أُمَّةٍ دَرَسَتْ أَشْبَاحُهَا وَسَرَتْ
أَرْوَاحُهَا بَيْنَنَا فِي عَالَمِ الْكَلِمِ
فَانْظُرْ إِلَى الْهَرَمَيْنِ الْمَاثِلَيْنِ تَجِدْ
غَرَائِبًا لا تَرَاهَا النَّفْسُ فِي الْحُلُمِ
صَرْحَانِ مَا دَارَتِ الأَفْلاكُ مُنذُ جَرَتْ
عَلَى نَظِيرِهِمَا فِي الشَّكْلِ وَالْعِظَمِ
تَضَمَّنَا حِكَماً بَادَتْ مَصَادِرُهَا
لَكِنَّهَا بَقِيَتْ نَقْشًا عَلَى رَضَمِ
قَوْمٌ طَوَتْهُمْ يَدُ الأَيَّامِ فَانْقَرَضُوا
وَذِكْرُهُمْ لَمْ يَزَلْ حَيًّا عَلَى الْقِدَمِ
فَكَمْ بِهَا صُوَر كَادَتْ تُخَاطِبُنَا
جَهْرًا بِغَيْرِ لِسَانٍ نَاطِقٍ وَفَمِ
تَتْلُو لِهِرْمِسَ آيَاتٍ تَدُلُّ عَلَى
فَضْلٍ عَمِيمٍ وَمَجْدٍ بَاذِخِ الْقَدَمِ
آيَاتِ فَخْرٍ تَجَلَّى نُورُهَا فَغَدَتْ
مَذْكُورَةً بِلِسَانِ الْعُرْبِ وَالْعَجَمِ
وَلاحَ بَيْنَهُمَا بَلْهِيبُ مُتَّجِهاً
لِلشَّرْقِ يَلْحَظُ مَجْرَى النِّيلِ مِنْ أَمَمِ
كَأَنَّهُ رَابِضٌ لِلْوَثْبِ مُنْتَظِرٌ
فَرِيسَةً فَهْوَ يَرْعَاهَا وَلَمْ يَنَمِ
رَمْزٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعُلُومَ إِذَا
عَمَّتْ بِمِصْرَ نَزَتْ مِنْ وَهْدَةِ الْعَدَمِ
فَاسْتَيْقِظُوا يَا بَني الأَوْطَانِ وَانْتَصِبُوا
لِلْعِلْمِ فَهْوَ مَدَارُ الْعَدْلِ فِي الأُمَمِ
وَلا تَظُنُّوا نَمَاءَ الْمَالِ وَانْتَسِبُوا
فَالْعِلْمُ أَفْضَلُ مَا يَحْوِيهِ ذُو نَسَمِ
فَرُبَّ ذِي ثَرْوَةٍ بِالْجَهْلِ مُحْتَقَرٍ
وَرُبَّ ذِي خَلَّةٍ بِالْعِلْمِ مُحْتَرَمِ
شِيدُوا الْمَدَارِسَ فَهْيَ الْغَرْسُ إِنْ بَسَقَتْ
أَفْنَانُهُ أَثْمَرَتْ غَضًّا مِنَ الْنِّعَمِ
مَغْنَى عُلُومٍ تَرَى الأَبْنَاءَ عَاكِفَةً
عَلَى الدُّرُوسِ بِهِ كَالطَّيْرِ فِي الْحَرَمِ
مِنْ كُلِّ كَهْلِ الْحِجَا فِي سِنِّ عَاشِرَةٍ
يَكَادُ مَنْطِقُهُ يَنْهَلُّ بِالْحِكَمِ
كَأَنَّهَا فَلَكٌ لاحَتْ بِهِ شُهُبٌ
تُغْنِي بِرَوْنَقِهَا عَنْ أَنْجُمِ الظُّلَمِ
يَجْنُونَ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ زَهْرَةً عَبِقَتْ
بِنَفْحَةٍ تَبْعَثُ الأَرْوَاحَ فِي الرِّمَمِ
فَكَمْ تَرَى بَيْنَهُمْ مِنْ شَاعِرٍ لَسِنٍ
أَوْ كَاتِبٍ فَطِنٍ أَوْ حَاسِبٍ فَهِمِ
وَنَابِغٍ نَالَ مِنْ عِلْمِ الْحُقُوقِ بِهَا
مَزِيَّةً أَلْبَسَتْهُ خِلْعَةَ الْحَكَمِ
وَلُجِّ هَنْدَسَةٍ تَجْرِي بِحِكْمَتِهِ
جَدَاوِلُ الْمَاءِ فِي هَالٍ مِنَ الأَكَمِ
بَلْ كَمْ خَطِيبٍ شَفَى نَفْسَاً بِمَوْعِظَةٍ
وَكَمْ طَبِيبٍ شَفَى جِسْمًا مِنَ السَّقَمِ
مُؤَدَّبُونَ بِآدَابِ الْمُلُوكِ فَلا
تَلْقَى بِهِمْ غَيْرَ عَالِي الْقَدْرِ مُحْتَشِمِ
قَوْمٌ بِهِمْ تَصْلُحُ الدُّنْيَا إِذَا فَسَدَتْ
وَيَفْرُقُ الْعَدْلُ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالْغَنَمِ
وَكَيْفَ يَثْبُتُ رُكْنُ الْعَدْلِ فِي بَلَدٍ
لَمْ يَنْتَصِبْ بَيْنَهَا لِلْعِلْمِ مِنْ عَلَمِ
مَا صَوَّرَ اللَّهُ لِلْأَبْدَانِ أَفْئِدَةً
إِلَّا لِيَرْفَعَ أَهْلَ الْجِدِّ وَالْفَهْمِ
وَأَسْعَدُ النَّاسِ مَنْ أَفْضَى إِلَى أَمَدٍ
فِي الْفَضْلِ وَامْتَازَ بِالْعَالِي مِنَ الشِّيَمِ
لَوْلا الْفَضِيلَةُ لَمْ يَخْلُدْ لِذِي أَدَبٍ
ذِكْرٌ عَلَى الدَّهْرِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَدَمِ
فَلْيَنْظُرِ الْمَرْءُ فِيمَا قَدَّمَتْ يَدُهُ
قَبْلَ الْمَعَادِ فَإِنَّ الْعُمْرَ لَمْ يَدُمِ.
قصيدة على العلم نبكي
الشاعر أحمد بن علي بن مشرف، وهو فقيه مالكي من أهل الأحساء، حيث تولى القضاء ودرس وتوفي هناك. نظم قصيدة بعنوان “على العلم نبكي”، جاء في أبياتها:
على العلم نبكي إذ قد اندرس العلم
ولم يبق فينا منه روح ولا جسم
ولكن بقي رسم من العلم دارس
وعما قليل سوف ينطمس الرسم
فآن لعين أن تسيل دموعها
وآن لقلب أن يصدعه الهم
فإن يفقد العلم شرا وفتنة
وتضيع دين أمره واجب حتم
وما سائر الأعمال إلا ضلالة
إذا لم يكن للعالمين بها علم
وما الناس دون العلم إلا بظلمة
من الجهل لا مصباح فيها ولا نجم
فهل يهتدي إلا بنجم سمائه
إذا ما بدا من أفقه ذلك النجم
فهذا أوان القبض للعلم فلينح
عليه الذي في الحب كان له سهم
فليس بمبقى العلم كثرة كتبه
فماذا تفيد الكتب إن فقد الفهم
وما قبضة إلا بموت وعاته
فقبضهم قبض له وبهم ينمو
فجد وأد الجهد فيه فإنه
لصاحبه فخر وذخر به الغنم
فعار على المرء الذي تم عقله
وقد املت فيه المروءة والحزم
إذا قيل ماذا أوجب الله يا فتى
أجاب بلا أدري وإني لي العلم
وأقبح من ذا لو أجاب سؤاله
بجهل فإن الجهل مورده وخم
أيرضى بأن الجهل من بعض وصفه
ولو قيل ياذا الجهل فارقه الحلم
فكيف إذا ما البحث من بين أهله
جرى وهو بين القوم ليس له سهم
تدور بهم عيناه ليس بناطق
فغير حرى أن يرى فاضلا قدم
ما العلم إلا كالحياة إذا سرت
بجسم حي والميت من فاته العلم
وكم في كتاب الله من مدحة له
يكاد بها ذو العلم فوق السهى يسمو
وكم خبر في فضله صح مسندا
عن المصطفى فاسأل به من له علم.