أمانٌ أم أوفى دمنة لم تتحدث
لقد سئمتُ من مصاعب الحياة، ومن يعيش
ثمانين عامًا، لا أرى من يسأم.
لقد شهدتُ المنايا تتخبط بشكل عشوائي، فمن تصيب
تَفنيه، ومن تخطئ يعمّر فيهرم.
أعلم علم اليوم والأمس قبله،
ولكنني عن علم ما في الغد أعجز.
ومن لا يسعى لتحقيق مصالح عديدة،
تعرض لمخالب الأعداء ويُفاجأ بالعقاب.
ومن يكون ذا فضلٍ، لكنه يبخل بفضله
على قومه، يُستغنى عنه ويُحتقر.
ومن يُخصِص المعروف بعيدًا عن عرضه،
يَفقده، ومن لا يتجنب الإهانة يُهان.
ومن لا يدافع عن نفسه،
يهدم نفسه، ومن يسعى لتجنب الناس يعلَم.
ومن يخاف أسباب الموت يلقاها،
وإن صعد سُلّم السماء.
ومن يعص أطراف الزجاج، يظن أنه آمن،
يطيع العوالي وقد تكالبت عليه الدنيا.
ومن يوفِّ لا يُعاب، ومن يشعر بقلبه
نحو برٍ هادئ، لا يتراجع.
ومن يغترب يظن عدوّه صديقًا،
ومن لا يُكرّم نفسه، لا يُكرّم.
ومهما كانت خصال المرء،
فإن خفيت على الناس، ستظهر.
ومن يظل يحمل عبء الناس،
لا تغني عنه الأيام شيئًا.
النفس تندب على الدنيا وقد علمت
النفس تندب على الدنيا وقد علمت،
إن السلامة فيها ترك ما فيها.
لا بيت للمرء بعد الموت يسكنه،
إلا الذي قام بإنشائه قبل موته.
فإن بناها بخير، طاب مقامها،
وإن بناها بشر، خاب بانيها.
أين الملوك التي كانت تتسلط،
حتى سقاها ساقي الموت.
أموالنا لذوي الميراث نجمعها،
ودورنا لانتهاك الدهر نبنيها.
كم من مدائن في الآفاق قد بُنيت،
أصبحت خرابًا، ودان الموت دانيها.
لكل نفس وإن كانت على وجل،
من المنية آمال تقويها.
فالمرء يبسطها، والدهر يقبضها،
والنفس تنشرها، والموت يطويها.
أبيات للشافعي
يقول الشافعي في قصيدته (دعِ الأيام تفعل ما تشاء):
دعِ الأيام تفعل ما تشاء،
وطب نفسًا إذا حكم القضاء.
ولا تجزع لنازلة الليالي،
فما لحوادث الدنيا بقاء.
وكن رجلًا على الأهوال جلدًا،
وشيمتك السماحة والوفاء.
وإن كثرت عيوبك في البرايا،
وسرك أن يكون لها غطاء.
تستتر بالسخاء، فكل عيب،
يغطيه كما قيل السخاء.
ولا تر للأعداء قط ذلاً،
فإن شماتة الأعداء بلاء.
ولا ترجو السماحة من بخيل،
فما في النار للظمآن ماء.
ورزقك ليس ينقصه التأنّي،
وليس يزيد في الرزق العناء.
ولا حزن يدوم ولا سرور،
ولا بؤس عليك ولا رخاء.
ومن نزلت بساحته المنايا،
فلا أرض تقيه ولا سماء.
وأرض الله واسعة ولكن،
إذا نزل القضاء ضاق الفضاء.
دعِ الأيام تغدر كل حين،
فما يغني عن الموت الدواء.
ويقول في قصيدة (إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفًا):
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفًا،
فدعه ولا تكثر عليه التأسي.
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة،
وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا.
فما كل من تهواه يهواك قلبه،
ولا كل من صافيتَه، قد صفى.
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة،
فلا خير في ود يجيء تكلفًا.
ولا خير في خل يخون خليله،
ويلقاه من بعد المودة بالجفا.
ويُنكر عيشًا قد تقادم عهده،
ويظهر سرًا كان بالأمس قد خفا.
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها،
صديق صدوق صادق الوعد منصفًا.
خير أيام الفتى يوم نفع
خير أيام الفتى يوم نفع،
واصطناع الخير أبقى ما صنع.
ونظير المرء في معروفة،
شافع بتَّ إليه فشفع.
ما ينال الخير بالشَر، ولا،
يحصد الزارع إلا ما زرع.
ليس كل الدهر يومًا واحدًا،
ربما ضاق الفتى ثم اتسع.
خذ من الدنيا الذي جرت به،
واسأل عما بان منها وانقطع.
إنما الدنيا متاع زائل،
فاقتصد فيه وخذ منه ودع.
وارضِ للناس بما ترضى به،
واتبع الحق فنعم المتبع.
وابغِ ما استطعت عن الناس الغنى،
فمن احتاج إلى الناس ضرع.
اشهد الجامع لو أن قد أتى،
يومه لم يغن عنه ما جمع.
إن للخير لرسمًا بيننا،
طبع الله عليه ما طبع.
قد بلونا الناس في أخلاقهم،
فرأيناهُم ذوي المال تابع.
وحبيب الناس من أطمعهم،
إنما الناس جميعًا بالطمع.
احمد الله على تدبيره،
قدّر الرزق فعطى ومنع.
سُمت نفسي ورعًا تصدقه،
فنهاها النقص عن ذاك الورع.
ولنفسي حين تُعطى فرح،
واضطراب عند منع وجزع.
ولنفسِي غفلات لم تزل،
وَلَها بالشّيءِ، أحيانًا، ولع.
عجبًا من مطمئن آمن،
إنما يُغذى بألوان الفزع.
عجبًا للناس ما أغفلهم،
لوقوع الموت عما سيقع.
عجبًا إنّا لنلقى مرتعًا،
كلنا قد عاث فيه ورتع.
يا أخي الميت الذي شيعته،
فحُثِي التربُ عليه ورجع.
ليت شِعري ما تزوّدْت من الزاد،
يا هذا، لهول المُطلع.
يوم يهدوكَ محبوك إلى
ظلمة القبر وضيق المضجع.