أهمية القواعد الفقهية في التشريع الإسلامي
تعد القواعد الفقهية من الركائز الأساسية في التشريع الإسلامي، حيث تمتاز بتنوعها وكثرتها، إذ تنضوي تحت كل قاعدة العديد من المسائل الفقهية. ومن أبرز هذه القواعد خمس قواعد تُعرف بالقواعد الفقهية الكبرى أو الكلية، وهي: أولاً: قاعدة الأمور بمقاصدها، ثانياً: قاعدة لا ضرر ولا ضرار، ثالثاً: قاعدة اليقين لا يزول بالشك، رابعاً: قاعدة المشقة تجلب التيسير، خامساً: قاعدة العادة مُحكمة.
قاعدة الأمور بمقاصدها
تشير “الأمور” في اللغة إلى الحالة، بينما تعني “المقاصد” الإرادة والعزم. تركز قاعدة الأمور بمقاصدها على أن كل فعل أو تصرف يقوم به المسلم مكلف يرتبط بنواياه وقصده. يتم الانتباه إلى مقاصده، سواء كانت خيّرة أم سيئة، ليتحدد أثر المقصد على أفعاله ومعاملاته، مما يستتبع الجزاء في الدنيا والآخرة. هذه القاعدة تشمل جميع الأفعال القولية والعملية. على سبيل المثال، إذا وجد شخص لقطة وأخذها بنية الاحتفاظ بها لنفسه يُعدّ غاصباً، بينما إذا أرجعها لأصحابها يُعتبر أميناً. تعتبر هذه القاعدة من القواعد الجوهرية في مختلف المذاهب الفقهية.
استند الفقهاء في استنتاج هذه القاعدة إلى قول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: “إنما الأعمال بالنيات”، فالنية محلها القلب وتعني العزم والقصد. يجوز للمسلم أن يجمع بين النية والعمل، على سبيل المثال، ينوي الصلاة عند تكبيرة الإحرام. كما يمكن أن تسبق النية العمل بفترة قصيرة، أما إذا بدأت النية بفترة طويلة دون نية التجديد فيجب تجديدها وفقاً لآراء بعض العلماء. آثار النية متعددة، منها فصل العبادات عن العادات، حيث تُعتبر النية ركنًا أساسيًا في تمييز العبادات عن الهموم اليومية.
قاعدة لا ضرر ولا ضرار
استنبط الفقهاء قاعدة “لا ضرر ولا ضرار” من قول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: “لا ضرر ولا ضرار”. تعني هذه القاعدة عدم جواز إلحاق الأذى بالآخرين، حيث يُعدُّ ذلك تجاوُزاً غير جائز. هذا الأصل مُعتمد في عدة أبواب فقهية، بما في ذلك البيوع، العبادات، الحدود، وغيرها من المسائل، ويظهر دور هذه القاعدة في حماية المجتمع من الفساد.
قاعدة اليقين لا يزال بالشك
استشهد الفقهاء بآيات من القرآن الكريم والسنّة في تأصيل قاعدة “اليقين لا يزول بالشك”. قال الله -تعالى-: “وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئاً”. أغلب مسائل الفقه تُصنف تحت هذه القاعدة، وتشمل عدة قواعد فرعية تُثبت أن الأصل في الأشياء هو البقاء ما لم يُثبَت اليقين المعاكس. وبالتالي، يبقى الأصل كما هو طالما لم يُكشف عن يقين جديد.
يوجد خمسة أنواع من المدركات العقلية: اليقين، الاعتقاد، غلبة الظن، الشك، والوهم. ووفقًا لهذه القاعدة، يبقى اليقين قائماً رغم الشك. إذا قام المكلف بالتطهر ثم شك في الحدث، فإنه يُعتبر متطهراً، وأما إذا تم عقد الزواج ثم دارت الشكوك حول الطلاق، فلا يزال الزواج قائمًا وفقًا للأصل.
قاعدة المشقة تجلب التيسير
تتعلق قاعدة “المشقة تجلب التيسير” بالتخفيف في الأحكام والعبادات في حال وجود مشقة. فقد أباح الله للمكلفين القيام بالعبادات بما يُخفف عنهم، وفقاً لقوله: “لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها”. وقد أظهر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- هذه الرحمة عندما قال: “إنما بعثتم ميسرين”. لذا، exempts من الحج والعمرة من يعاني من الفقر، كما تُخفف الصلاة عن المسافر أو المريض.
قاعدة العادة مُحكمة
تشير قاعدة “العادة مُحكمة” إلى تأثير العادات المتكررة في أحكام الشريعة. تتأصل العادة من التكرار، ومتى لم يكن هنالك نص شرعي يناقضها، فإن الحكم يُثبت بناءً على المجتمع. يُعتمد على هذه القاعدة لضبط المسائل بين الأفراد، فعلى سبيل المثال، إن تعاقد شخص مع عامل للعمل في أوقات محددة، فلا يحق له أن يلزمه بالعمل في أوقات أخرى تختلف عن الاتفاق.
مصادر القواعد الفقهية في المذاهب الأربعة
يمتلك كل مذهب من المذاهب الأربعة في الفقه الإسلامي مؤلفات متنوعة تتناول القواعد الفقهية. ونذكر بعضاً من أبرز هذه المؤلفات:
- كتاب الأشباه والنظائر للمؤلف ابن نجيم في المذهب الحنفي.
- كتاب تأسيس النظر لأبي زيد الدبوسي في المذهب الحنفي.
- كتب متنوعة مثل شرح القواعد الفقهية وأخرى تتعلق بالفوائد الفقهية، لمؤلفين مثل ابن حمزة.
- صنف الشافعية، حيث كتب ابن الوكيل والسيوطي وابن الملقن عن الأشباه والنظائر.
- في المذهب المالكي، نُشر كتاب الفروق للمؤلف القرافي.
- حيث تشمل مؤلفات المذهب الحنبلي كتب ابن تيمية حول القواعد الفقهية.
- كتاب قواعد الأحكام في مصالح الأنام للإمام عز الدين ابن عبد السلام الشافعي.
أهمية القواعد الفقهية
تتمثل أهمية القواعد الفقهية فيما يلي:
- تقدم القواعد الفقهية فروعًا متعددة باختصار، مثال ذلك قاعدة “المشقة تجلب التيسير” التي تشمل العديد من الجوانب الفقهية.
- تُعتبر مرجعًا ثابتًا للمفتين والقضاة في استنباط الأحكام الشرعية.
- تحوي القواعد الفقهية مراتب مختلفة، وتساعد المُتمكن منها في اكتساب ثروة فقهية كبيرة.
- تشتمل على أسرار الشرع وحِكَمِه العظيمة.
- تُسهّل على الفقهاء ضبط فروع الفقه دون الحاجة لحفظ جزئيات موسعة.
- تساهم في تطوير الملكة الفقهية لدى الفقيه، مُعززة لديه الثروة الفقهية.