تجهيز جيش العسرة
لقد كان لعثمان بن عفان رضي الله عنه دور بارز في تجهيز جيش العسرة من خلال إنفاق أمواله في سبيل الله. فور أن أذن النبي -صلى الله عليه وسلم- للجهاد بالمال، تقدم عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بسخاء، حيث أتى بألف دينار وقام بإعطائها للنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أخذها، وعبر عن امتنانه بقوله: (ما ضرَّ عثمان ما عملَ بعد اليوم مرتين).
كما قال -رضي الله عنه-: “عليَّ مائة من الإبل بأحلاسها وأقتابها”، وكان يعيدها ثلاث مرات. تعني الأحلاس والأقتاب أن هذه الإبل كانت محملة بكامل معداتها. وقد روي برواية ضعيفة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما على عثمانَ ما عملَ بعد هذه ما على عثمان ما عمل بعد هذه).
توسعة المسجد النبوي
بدأت عمليات توسيع المسجد النبوي منذ عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكانت أول توسعة حين دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك. وكان عثمان -رضي الله عنه- من أول من استجاب لهذا النداء وتولى مهمة التوسعة.
ففي مسند الإمام أحمد، ذُكر عن ثُمامة بن حَزْن القُشَيْري أنه قال: (لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، ضاق المسجد بأهله فقال: من يشتري هذه البقعة من خالص ماله فيكون له فيها خيرٌ في الجنة؟ فجئتُ، فاشتريتها من طُرف مالي، وجعلتها بين المسلمين). وعلى هذا النحو، قام عثمان بشراء الأرض وتوسيع المسجد.
شراء بئر رومة
بعد هجرة الصحابة من مكة إلى المدينة، كان مصدر الماء الوحيد لديهم هو بئر رومة، المملوكة لرجل من بني غفار، وكان يبيع مائها للمسلمين، مما سبّب معاناة للبعض منهم. عندما شكا المسلمون الأمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، عرض عليهم شراءها مقابل خير في الآخرة.
رد المالك بأنه ليس لديه مصدر دخل سوى هذا البئر. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين له خير منها في الجنة؟)، وكان عثمان -رضي الله عنه- هو من اشترى البئر من أمواله الخاصة.
نسخ القرآن الكريم
مع توسع الدولة الإسلامية في عهد عثمان بن عفان، أصبح هناك دخول لغير العرب (الأعاجم) إلى الإسلام، وتباينت قراءات القرآن الكريم باختلاف المناطق، حيث نزل القرآن على سبعة أحرف. وقد أدى ذلك إلى ظهور النزاعات حول القراءات، خصوصًا بين المسلمين الذين لم يأخذوا القراءات عن لسان النبي -عليه الصلاة والسلام-.
أدرك الصحابي حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- هذا الأمر، فتوجه إلى الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، محذرًا: “يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب كما اختلفت اليهود والنصارى.” استجاب عثمان لذلك، وطلب من حفصة بنت عمر استعارة النسخة الأصلية من القرآن لنسخها.
بعد الموافقة، أوكل عثمان مهمة النسخ إلى زيد بن ثابت، ومعه مجموعة من الصحابة، وتم تحديد أن أية اختلافات في الكتابة يتفق عليها تكون وفق لسان قريش. ثم تم إعداد أربع نسخ وتم توزيعها على المناطق، وأمر بحرق كافة النسخ الأخرى.
الفرق بين جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق والنسخ في عهد عثمان يكمن في أن الجمع تم لأغراض التوثيق بعد وفاة عدد من حافظي القرآن، بينما كانت النسخ في عهد عثمان تهدف لتوحيد النسخ المعتمدة بسبب اختلاف القراءات.
بناء أول أسطول بحري
مع اتساع حدود الدولة الإسلامية خلال فترة حكم الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، ظهرت الحاجة لتنظيم حدود بحرية، خاصة على السواحل الشرقية والجنوبية للبحر الأبيض المتوسط المعروف وقتها ببحر الروم.
إذاً، جاء إنجاز الخليفة عثمان بإنشاء أول أسطول بحري في التاريخ الإسلامي، بناءً على اقتراح الصحابي معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-. رغم أن الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان قد رفض الفكرة سابقًا، إلا أن عثمان سمح بتأسيس الأسطول وبدأت أعمال البناء بالتعاون مع والٍ مصر عبدالله بن سعد بن أبي السرح، وكانت أولى الفتوحات البحرية جزيرة قبرص عام 28 هـ.
استكمال الفتوحات الإسلامية
برزت الفتوحات الإسلامية في الشمال الإفريقي خلال فترة حكم الخليفة عثمان بن عفان، واستمرت تلك الفتوحات تحت قيادة القائد المسلم موسى بن نصير في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان. فيما يلي أبرز الفتوحات التي تمت في زمن الخليفة عثمان -رضي الله عنه-:
- التصدي لدولة فارس
بدأ الأمر بشكل رسمي بعد موقعة نهاوند عام 21 هـ، ولكن بعض من أمراء فارس خالفوا الاتفاقات مع المسلمين. فقام الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بالتصدي لهم وتمكن من القضاء على دولة فارس عام 31 هـ.
- التصدي للروم وفتح بلادهم
بعد وفاة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، بدأت الروم بشن هجمات ضد الجيوش الإسلامية. في السنة الأولى من حكم عثمان، حاولت الروم مهاجمة الشام، ولكنها فشلت. وطلب الخليفة من والي الكوفة مساعدة أهل الشام.
أرسل والي الكوفة ثمانية آلاف مقاتل، وانضم هؤلاء إلى جيش أهل الشام بقيادة حبيب بن مسلمة، وشنوا غارات ناجحة على الأراضي الرومية، محققين فتح العديد من الحصون.
- طرد الروم من مصر
في عام 25 هـ، حاولت الروم استعادة مصر والسيطرة على الإسكندرية، فقام الخليفة عثمان بإرسال عمرو بن العاص -رضي الله عنه- لمواجهتهم، حيث نجح في طردهم نهائيًا بقتل قائدهم مانويل.
- فتوحات أخرى مهمة
في الشمال الإفريقي، أخبر والي مصر الخليفة بخطر الروم المتبقيين على الحدود المصرية، فاستجاب عثمان وأرسل جيشًا بقيادة عبدالله بن سعد، وتمكنت القوات من الوصول إلى قرطجانة عاصمة تونس عام 27 هـ.
كما تم فتح بلاد النوبة باتفاقية صلح تجارية مع المسلمين وفتح جزيرة قبرص عام 28 هـ، حيث خاض المسلمون معركة ذات الصواري ضد البيزنطيين والتي انتهت بانتصار الأسطول الإسلامي.