أشعار صوفية قصيرة جداً تُعتبر من الشِعر العاطفي الروحي الذي يُلامس قلب من يستمع إليه. وقبل الخوض في تفاصيل هذا النوع الأدبي، من المناسب أن نقدم شرحاً مبتسراً لمعنى التصوف.
مدلول التصوف
- تتنوع الاشتقاقات اللغوية لكلمة التصوف، إذ قد تُشتق من الصفاء أو من الصوف، أو حتى من كلمة “صوفيا” اليونانية التي تعني الحكمة.
- ورغم تنوع المعاني، إلا أن جميعها تتجه نحو معنى نبيل موحد، وهو الزهد وتطهير النفس، الأمر الذي يجعل كلمة التصوف تُضفي شعوراً بالسكينة على الروح بمجرد سماعها.
- أما بالنسبة لمفهومه الاصطلاحي، فهو تجربة يعيشها المريد في مسار الحضرة الإلهية.
- ويسعى من خلالها إلى الوصول إلى محبت الله والانتشاء بالأنوار الربانية.
ونتيجةً لهذه المعاني العميقة، نشأ الشعر الصوفي، وتمكنت العديد من الشعراء من التعبير عن ذلك بمهارة.
تَشكلت الكثير من أبيات الشعر الصوفي، التي سنتناول أبرزها فيما بعد.
ظهر الشعر الصوفي مع بزوغ الإسلام، وفي بداياته كان يُصاغ نثراً، لكنه تطور مع مرور الزمن ليشمل الشعر النثري والشعري.
عند التأمل في الشعر الصوفي، يكتشف المرء تجربة روحية فريدة تتسم بلغة رقيقة وسهلة، مع دلالات اشتقاقية محددة.
أبدع كثير من الشعراء في هذا النوع الأدبي، وسنستعرض أشهرهم وبعض من قصائدهم.
ابن الفارض، سلطان العاشقين
هو أبو حفص عمر بن علي بن مرشد بن علي الحموي، أحد الشعراء المصريين. نشأ على يد والده، وتعلم على المذهب الشافعي.
كان له اهتمام خاص بالزهد والعبادة، واعتاد على زيارة المساجد القديمة. ومن أبرز قصائده:
قلبي يُحَدّثني بأَنّكَ مُتْلِفِي
روحي فِداكَ عرَفْتَ أمَ لم تَعْرِف
لم أَقْضِ حَقّ هَواكَ إن كُنتُ الذي
لم أقضِ فيِه أسىً ومِثليَ مَنْ يَفي
ما لي سِوَى روحي وباذِلُ نفسِهِ
في حُبّ مَن يَهْواهُ ليسَ بِمُسرِف
سَقَتني حُمَيَّا الحُبَّ راحَةَ مُقلَتي
وَكَأسي مُحَيَّا مَن عَنِ الحُسنِ جَلَّتِ
فَأَوهَمتُ صَحبي أنَّ شُربَ شَرابهِم
بهِ سُغرَّ سِرِّي في انتِشائي بنَظرَةِ
الحلاج
هو شاعر صوفي ذو أصل فارسي.
واختلف كثيراً عن باقي الصوفيين، حيث كان يجاهر بأفكاره أمام العامة.
تنقل كثيراً بين البلدان، متحدثاً مع العديد من الناس، منهم من فهمه ومنهم من لم يفهمه. ومن أشهر قصائده:
والله ما طلعت شمس ولا غربت
إلا وحبك مقرون بأنفاسي
ولا جلست إلى قومٍ أحدثهم
إلا وأنت حديثي بين جلاسي
لا ذكرتك محزونًا ولا فرحًا
إلا وأنت بقلبي وبين وسواسي
ولا هممت بشرب الماء من عطش
إلا رأيت خيالًا منك في الكأس
جلال الدين الرومي
وُلد في مدينة بلخ، التي عُرفت بكثرة العلماء والفلاسفة.
تتلمذ على يدي الترمذي وأسس الطريقة المولوية التي لا تزال موجودة حتى يومنا هذا. ومن أشهر قصائده:
أنصت إلى الناي يحكي حكايته
ومن ألم الفراق يبث شكايته
ومذ قطعت من الغاب
والرجال والنساء لأنيني يبكون
أريد صدرًا مِزَقًا مِزَقًا برَّحه
الفراق لأبوح له بألم الاشتياق
بعض حكم وأقوال الرومي
- استمع إلى صوت الناي كيف يبث آلام الحنين، إذ يقول: مذ قطعت من الغاب وأنا أحن إلى أصلي.
- صورتك ثابتة في عيني واسمك رفيق شفتي وذكراك في أعماقي.
- فلمن سأكتب إذن، وأنت تتجول في كل هذه الأماكن؟ كُسر القلم ومزق الورق.
- الوداع لا يكون إلا لمن يحب بعينيه، أما من يحب بروحه وقلبه فلا يوجد انفصال أبداً.
عبد القادر الجيلاني
الإمام محيي الدين عبد القادر الجيلاني عاش وتوفي في بغداد. لم يترك الكثير من الدواوين، ولكن له قصائد متفرقة تُعرف باسم قصائد الجيلاني، ومنها:
وَلَما صَفَا قَلْبي وَطَاَبتْ سَرِيرَتِي
وَنَادَمَنِي صَحْويِ بِفَتْحِ الْبَصِيرة
شَهِدْت بِأَنَّ الله مَوْلَى الْوِلاَيَةِ
وَقَدْ مَنَّ بِالتَّصْرِيفِ فِي كلِّ حَالَةِ
سَقَانِي إِلهيِ مِنْ كؤوس شَرَابِهِ
فَأَسْكَرَنِي حَقَا فَهِمْت بِسَكْرتِي
التلمساني
سليمان بن علي بن عبد الله بن علي التلمساني، المعروف بعفيف الدين. تنقل في بلاد الروم حتى وصل إلى مصر وأقام فيها. من أشعاره:
يا غائبين ووجدي حاضر بهم
وعاتبين وذنبي في الغرام هم
بنتم فلا طرف إلا وهو مضطرب
شوقاً ولا قلب إلا وهو مضطرم
أَبداً بِذكْرِكَ تَنْقَضِي أَوْقَاتِي
مَا بَيْنَ سمَّاري وَفي خَلَواتي
يَا وَاحِدَ الحُسْنِ البَديع لِذاتِهِ
أَنا وَاحِدُ الأَحْزانِ فيكَ لِذَاتي