شواهد على استخراج المفعول المطلق وتوضيح نوعه
لقد أطلق النحاة على المفعول المطلق هذا الاسم لكونه يصدق عليه أنه مفعول غير مرتبط بحرف جر، بعكس باقي المفاعيل. وعُرِّف اصطلاحًا بأنه المصدر الذي يأتي مسلطًا عليه عامل من مدلوله أو من معناه، وقد ينوب عنه غيره. فعلى سبيل المثال، عندما يكون العامل هو الفعل من لفظه، نجد قول رب العزة: {وَكَلَّمَ اللَّـهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} حيث أن العامل هو “كلم” والمفعول المطلق هنا هو “تكليمًا”. كما نجد مثالاً آخر حيث العامل مستمد من المعنى كما في قولنا: جلست قعودًا، حيث يكون العامل هو الفعل “جلس” والمفعول المطلق هو “قعودًا”. وكما ورد في قوله تعالی: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}، فهنا يتمثل العامل في الفعل “اجلد” ونائب المفعول المطلق هو “ثمانين”.
أهمية استخدام المفعول المطلق
يظهر المفعول المطلق في اللغة العربية محققًا عدة فوائد، منها التوكيد، بشرط أن يكون مصدراً منكراً غير موصوف ولا مضاف، ولا مختوم بتاء الوحدة، ولا مثنى ولا مجموع، كما في قوله تعالى: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. ومن فوائد المفعول المطلق أيضاً بيان النوع، وذلك عندما يكون موصوفاً أو مضافاً، كمثال قوله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ}، وهناك أيضاً بيان العدد حيث يكون المفعول المطلق مختومًا بتاء الوحدة أو بعلامات التثنية أو الجمع، كما في قوله تعالى: {فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}.
يمكننا تحديد المفعول المطلق في الجمل التالية مع بيان نوعه:
- ضربت اللص ضربًا: للتوكيد.
- سافرت سفرَ القدماء: لبيان النوع.
- أكل الطفل أكلَتَينِ: لبيان العدد.
- فهمت الدرس فهمًا: للتوكيد.
- نمت نومَتَينِ: لبيان النوع.
- ضرب خالد سالمًا ضرباتٍ: لبيان العدد.
- قال تعالى: {وَعَرَضنا جَهَنَّمَ يَومَئِذٍ لِلكافِرينَ عَرضًا}: للتوكيد.
- قال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}: لبيان النوع.
- قال تعالى: {فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}: لبيان العدد.
- قال تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}: لبيان النوع.
- قال المتنبي:
تَمَلَّكَها الآتي تَمَلُّكَ سالِبٍ
وَفارَقَها الماضي فِراقَ سَليبِ
لبيان النوع.
- قال المتنبي:
إِنّي دَعَوتُكَ لِلنَوائِبِ دَعوَةً
لَم يُدعَ سامِعُها إِلى أَكفائِهِ
لبيان العدد.
- جلستُ قعودًا بعد أن تعبت من الوقوف: للتوكيد.
- قال علي بن أبي طالب:
أَكيلُكُم بِالسَيفِ كَيلَ السَندَرَه
أَضرِبُكُم ضَرباً يَبينُ الفَقَرَه
للتوكيد.
تجدر الإشارة إلى أنه قد يكون عامِل المفعول المطلق فعلاً كما رأينا في الأمثلة السابقة، وقد يأتي كمصدر، مثل قوله تعالى: {قالَ اذهَب فَمَن تَبِعَكَ مِنهُم فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُم جَزاءً مَوفورًا}، حيث تُعتبر كلمة “جزاءً” مفعول مطلق وعامله كلمة “جزاؤكم”. ويمكننا التواصل أيضاً مع مثال آخر مثل: تألمت من ضربك لي ضربًا مبرحًا، إذ تعتبر كلمة “ضربًا” مفعول مطلق، وعامله هنا هو كلمة “ضربك”. وقد يكون عامِل المفعول المطلق وصفًا، ويندرج تحت أسماء الفاعلين والمفعولين، كما في قوله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ﴿١﴾ فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا}، حيث نرى أن كلمة “صفًا” مفعول مطلق وعامله كلمة “صافات”، وهي اسم فاعل، كما أن “زجرًا” مفعول مطلق أيضاً وعامله كلمة “زاجرات”، وهي أيضاً اسم فاعل.
أمثلة على صياغة جمل تحتوي على المفعول المطلق
تتوقف صياغة المفعول المطلق في الجمل على الفائدة المطلوبة: إذا أردنا التوكيد، يجب أن يكون مصدرًا منكراً غير موصوف ولا مضاف، ولا مختوم بتاء الوحدة، ولا مثنى أو مجموع. أما إذا كان الهدف هو بيان النوع، فيفترض أن يكون موصوفًا أو مضافًا، بينما إذا أردنا بيان العدد، يجب أن يكون مصدرًا مختومًا بتاء الوحدة أو بعلامات تثنية أو جمع، كما يتضح في الأمثلة التالية:
- كتبت المقال كتابة ماهرة: جاء موصوفاً، فلذا هو لبيان النوع.
- مشيت إلى المسجد مشيًا: جاء منكراً غير موصوف ولا مضاف ولا مختوم بتاء الوحدة ولا مثنى ولا مجموع، لذا هو للتوكيد.
- سجدت شكراً لله سجدتَينِ: جاء معه علامة تثنية، لذا هو لبيان العدد.
- درست سلمى على الامتحان دراسةَ المجتهدين: جاء مضافاً، لذا هو لبيان النوع.
- زرع جعفر الأرض زراعة: جاء منكراً غير موصوف ولا مضاف ولا مختوم بتاء الوحدة ولا مثنى ولا مجموع، لذا هو للتوكيد.
- ركع المصلي ركعاتٍ بين العشائين: جاء معه علامة الجمع، لذا هو لبيان العدد.
- زوَّجت ابنتي مريم زواجًا مباركًا: جاء موصوفاً، لذا هو لبيان النوع.
- سجَّلت في الجامعة الإسلامية العالمية تسجيلًا: جاء منكراً غير موصوف ولا مضاف ولا مختوم بتاء الوحدة ولا مثنى ولا مجموع، لذا هو للتوكيد.
- خطوت إلى الأمامِ خطوتَينِ: جاء معه علامة تثنية، لذا هو لبيان العدد.
- لقد قبَّلتْ عائشةُ اليتيمَ تقبيلَ الأم: جاء مضافاً، لذا هو لبيان النوع.
- إنَّ المهمِلَ إهمالَ الكسالى سيندم: جاء مضافاً، لذا هو لبيان النوع.
ملاحظة: تم الإشارة من خلال عدد من المحققين إلى أن المفعول المطلق الذي يوضح النوع أو العدد يحمل أيضًا دلالة على التوكيد. وقد عبرنا عن كل نوع بما يميزه، وبالتالي يمكن القول إن جميع أمثلة المفعول المطلق تشمل التوكيد.
ملاحظة: قد تُحذف العربُ العاملَ الذي يعمل في المفعول المطلق، وهذا الاستخدام شائع في كلامهم وأشعارهم، وكذلك في القرآن الكريم. ومن هذه الأمثلة:
- قال تعالى: {قُل هـذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّـهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني وَسُبحانَ اللَّـهِ وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ}: مفعول مطلق لفعل محذوف.
- قال تعالى: {قالَ مَعاذَ اللَّـهِ إِنَّهُ رَبّي أَحسَنَ مَثوايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظّالِمونَ}: مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أعوذ.
- قال صلى الله عليه وسلم: {عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ}[٢١]: مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أعجب.
- قال إبراهيم طوقان:
عَجَباً لِقَومي مَقعدين وَنَوّماً
وَعَدوهم عَن سَحقهم لا يَنثَني[٢٢]: مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أعجب.
أمثلة لإكمال الفراغ بالمفعول المطلق
يرجى إكمال الفراغ في الجمل التالية بالمفعول المطلق المناسب:
- ساعد التلميذ المعلمَ ….. طيبةً. (مساعدةً)
- قرأ الطالب الكتاب ….. . (قراءةً)
- هل كنت تمشي …… الأسدِ؟ (مشيَ)
- نقَّط المحرر المخطوطة ……. متتاليةً. (تنقيطاتٍ)
- ساهم المحسِن في بناء المسجد …….. . (مساهمةً)
- سارع الصالح إلى إماطة الأذى عن الطريق ……. . (مسارعةً)
- عجبتُ من أم تربي أولادها …….. سيئةً. (تربيةً)
- عسى أن يفوز حسامٌ …….. ساحقًا. (فوزًا)
- هاجرَ المسلمون إلى بلادنا …….. السابقين. (هجرةَ)
- استقبلتُ الضيف …….. حاتمٍ الطائي. (استقبالَ)
- …….. بالعصا على أشيائهم. (ضربًا)
- سعيُك ……. متواصلًا يجعلك قويًا. (سعيًا)
- إنَّ الدارِسَ ……. مثابرةً ناجِحٌ. (دراسةً)
أمثلة صح وخطأ على المفعول المطلق
قم بتقييم صحة المفعول المطلق في الجمل التالية مع توضيح سبب الخطأ إن وجد:
- قال تعالى: {وَتَرَكنا بَعضَهُم يَومَئِذٍ يَموجُ في بَعضٍ وَنُفِخَ فِي الصّورِ فَجَمَعناهُم جَمعًا}[٢٣]: صحيح.
- اشتريت لك خاتماً: خطأ؛ لأنه ليس مصدرًا وليس عامله من لفظه، والصواب: اشتريت لك خاتمًا اشتراءً.
- قال تعالى: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[٢٤]: صحيح.
- ضربتك عدة ضرباتٍ: خطأ؛ لأن المفعول المطلق يأتي منصوبًا لا مجرورًا، والصواب: ضربتك ضرباتٍ عدةً.
- قال تعالى: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴿٢٤﴾ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا }[٢٥]: صحيح.
- أطعمتك أكلًا لذيذًا: خطأ، لأن عامله ليس من لفظه، والصواب: أطعمتك إطعامًا لذيذًا.
- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}[٢٦]: صحيح.
- سافر الرحالة إلى السفر البعيد: خطأ؛ لأن المفعول المطلق يأتي منصوبًا لا مجرورًا، والصواب: سافر الرحالة سفرًا بعيدًا.
- أصلح أبي السيارة إصلاحًا متقنًا: صحيح.
- جلس الضيف جلستين متتاليتين: صحيح.
- قتل المحاربُ العدوَّ رميًا بالرَّصاصِ: خطأ؛ لأن عامله ليس من لفظه، والصواب: قتل المحارب العدوَّ قتلًا بالرَّصاصِ.
- قال تعالى: {مَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}[٢٧]: صحيح.
- كانَ اللاعبُ لعِبًا قويًا فائزا: صحيح.
- ركضًا إلى المدرسةِ لعلك تصل: صحيح.
ملاحظة: قد ينوب عن المفعول المطلق نائب يأخذ حكمه في النصب، ويطلق عليه “نائب عن المفعول المطلق”، وله عدة أنواع وأحوال لا يتسع المقام لشرحها.[٢٨]
أمثلة على إعراب المفعول المطلق
يرجى إعراب المفعول المطلق في الأمثلة التالية إعرابًا تامًّا:
- كسرتُ السيارة كسرًا محطِّمًا: مفعول مطلق منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
- قال تعالى: {رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}[٢٩]: مفعول مطلق منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف.
- قال ابن المقرب العيوني:
ذَريني فَضَرباً بِالمَهَنَّدَةِ البُترِ
وَلا لَومَ مِثلي يا أُمَيمُ عَلى وَترِ[٣٠]: ضربًا: مفعول مطلق لفعل محذوف منصوبٌ وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
- قمت وقوفًا حينما دخل علينا: مفعول مطلق منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
إذا استقر هذا، فإن المفعول المطلق يكون دائمًا منصوبًا لتأكيد أو بيان عدد أو نوع، وعامله من لفظه أو معناه، وقد يكون فعلاً أو مصدرًا أو صفة مشبهة، وقد يكون محذوفًا أيضاً.