تستند الشريعة الإسلامية إلى عدة مدارس فقهية تحت إشراف أئمة بارزين مثل الإمام مالك، والشافعي، وابن حنبل. ومن بين هذه المدارس، يُعد المذهب الحنبلي أحد المذاهب التي يعتمد عليها عدد من العلماء في إصدار فتاواهم. في هذا المقال، سنتناول أبرز المعلومات المتعلقة بمذهب الإمام أحمد بن حنبل.
تأسيس المذهب الحنبلي
- تأسس هذا المذهب على يد الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، الذي وُلِد في العراق، تحديدًا ببغداد. وقد قام بتأسيس مذهبه في بغداد، لينتشر لاحقًا إلى العديد من المدن السورية.
- لم يدخل هذا المذهب إلى الأراضي المصرية إلا في القرن السابع، على الرغم من تأسيسه في بغداد خلال القرن الثالث. واستمر في بغداد حتى القرن الرابع.
- في تلك الفترة، كان الفاطميون يحكمون الدولة المصرية، وواجه أتباع المذاهب الثلاثة الأخرى اضطهادات متنوعة، شملت النفي والقتل والتشريد، في محاولة منهم لنشر الفكر الرافضي، واستمر هذا الوضع حتى نهاية القرن السادس.
- أسهم “الحافظ عبد الغني المقدسي” في دخول المذهب الحنبلي إلى مصر، حيث انتشر بشكل ملحوظ في عهد عبدالله بن محمد القاضي.
مؤسس المذهب الحنبلي
- وُلِد “أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني” في ربيع الأول عام 164 هجريًا، وهو من أصل عربي يُنسب إلى قبيلة شيبان التي تنتمي إلى ربيعة العدنانية.
- تميزت قبيلته بالصبر والإصرار، حيث كانت تعيش في البصرة والأرياف المحيطة بها. انتقل والده للعيش في خرسان ليصبح والياً على سرخس في العصر الأموي.
- توجه الإمام لاحقًا إلى بغداد بعد انضمامه للعباسيين. توفي والده وهو في سن صغيرة، فتولت والدته رعاية تعليمه، إذ أرسلته منذ صغره لدراسة التعاليم الدينية.
- استطاع الإمام أحمد ابن حنبل حفظ القرآن الكريم منذ صغره، بالإضافة إلى تعلم مختلف العلوم الفقهية، مما جعله بارزًا بين أقرانه. وافته المنية في ربيع الأول عام 241 هجريًا.
أسس المذهب الحنبلي
استند الإمام ابن حنبل في تأسيس مذهبه إلى المبادئ التالية:
القرآن الكريم والأحاديث النبوية
اعتمد ابن حنبل بشكل أساسي على القرآن الكريم والأحاديث النبوية في بناء مذهبه، وكان يكتفي بهما في حال وجد ما يبحث عنه فيهما أو في أحدهما.
بالنسبة إليه، كانت الأحاديث الصحيحة كافية، دون الحاجة للاعتماد على الأحاديث غير الموثوقة أو المهملة.
فتاوى الصحابة
عندما لا يجد الإمام أحمد ما يبحث عنه في القرآن والأحاديث، كان يستند إلى فتاوى الصحابة.
كان يختار الفتوى من الصحابي الذي تتوافق رأيه مع آراء باقي الصحابة، لضمان دقة الفتوى.
الآراء القريبة من القرآن والأحاديث
لجأ ابن حنبل إلى آراء الصحابة التي تقترب من النصوص في حال وجود اختلاف بينهم. وإذا لم يجد رأيًا مقاربًا، كان يعرض الآراء المتعددة دون تحديد الأكثر دقة.
الأحاديث المرسلة والضعيفة
كان المذهب الحنبلي يضم الأحاديث المرسلة وغير المؤكدة عندما لا يجد ابن حنبل أقوال أو آراء للصحابة تتعارض معها.
القياس
استعان ابن حنبل بهذه الأداة عندما لا يتمكن من الوصول إلى دليل قوي من الأدلة السالفة.
سد الذرائع
كان هذا المبدأ من المبادئ الفقهية التي اعتمدها ابن حنبل في تأسيس مذهبه.
مراحل ازدهار وانتشار المذهب الحنبلي
- تميز مذهب الإمام أحمد بن حنبل بانتشاره المحدود مقارنة بالمذاهب الأخرى.
- مع ذلك، شهد تطوره وازدهاره زيادة ملحوظة، على عكس المذاهب الأخرى التي شهدت تراجعًا، وتعرف الناس عليه من خلال الكتب التي كتبها الأئمة بعد القرن الرابع.
- كان التأخير في ظهور مذهب الإمام أحمد بن حنبل سببًا رئيسيًا في ضعف انتشاره، نظرًا لأنه تأسس بعد أقرانه من الأئمة الآخرين.
- وبدأت الأتباع بمعرفة وتفضيل كل مذهب على حدة بعد استقرار المذاهب الأخرى.
- بدأ المذهب الحنبلي في الانتشار من موطنه الأصلي، بغداد، ثم امتد ليشمل بلدان عربية عديدة مثل الشام ومصر وحران.
- شهد المذهب بعد ذلك ازدهارًا، وحرص العلماء على وضع الأصول العامة لأي مسألة تتعلق بالمذهب أو أتباعه.
- كما برز بعض المجتهدين في إعداد الأمور الفرعية بالمقارنة مع الأصول، مع الإشارة إلى الاختلافات بين الروايات.
- استمرت الأنشطة المتعلقة بالمذهب الحنبلي حتى نهاية القرن التاسع مع حضور علاء الدين المرداوي، الذي وضع قواعد محددة لمسائل الفقه بالمذهب وعمل على تنظيمه.
- بعد ذلك، واصل العلماء ضبط المسائل المتشابهة وتحديد الفروقات بينها، واستمر تطوير المذهب حتى استقراره وتنقيحه بعد القرن التاسع.
علماء المذهب الحنبلي
ساهم العديد من العلماء في تطوير مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ومن أبرزهم:
- أحمد بن محمد بن هانئ، أبو بكر، الأثرم، الطائي، المعروف بالكليي الاسكافي.
- إبراهيم بن إسحاق الحربي البغدادي.
- أحمد بن محمد بن الحجاج، أبو بكر المروذي.
- إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري.
- أحمد بن حميد، أبو طالب المشكاني.
خصائص أتباع المذهب الحنبلي
يتسم أتباع مذهب الإمام أحمد بن حنبل بعدة صفات، من أبرزها:
- الجِدّية في تنفيذ “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
- تقديرهم للأحاديث النبوية والسعي لتطوير علومها.
- الاهتمام بسيرة الإمام أحمد وأخلاقه، مما ساهم في نشر تعاليم مذهبه بين البلدان الإسلامية.
- التمحيص في أقوال الصحابة والسلف.
- حماية الإسلام من الأشخاص المتطفلين والأعداء الذين يسعون للإضرار به.
- التوجه نحو الزهد، أي الاعتراف بأن الدنيا فانية.
كتب المذهب الحنبلي
توجد العديد من الكتب التي اعتمد مؤلفوها على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ومن أهم هذه الكتب ما يلي:
كتاب شرح العُمدة
ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتاب “شرح العُمدة” استنادًا إلى روايات وأقوال المذهب الحنبلي.
كتاب الفروع
قام شمس الدين ابن مفلح بتأليف كتاب “الفروع” مرتكزًا على روايات وآراء الإمام أحمد بن حنبل.
كتاب المسائل عن الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه
كتب إسحاق بن منصور بن برهام هذا الكتاب استنادًا لأقوال الإمام أحمد في مذهبه.
كتاب الإنصاف
يُعتبر أيضًا كتاب “الإنصاف” من الكتب التي استلهمت أفكارها من مذهب الإمام أحمد بن حنبل.
مكانة المذهب الحنبلي بين المذاهب
- كما ذكَرنا سابقًا، كان انتشار مذهب الإمام أحمد بن حنبل محدودًا مقارنة ببقية المذاهب، مثل الشافعي والمالكي والحنفي.
- وذلك بسبب ظهوره متأخرًا مقارنةً بالمذاهب الأخرى، رغم وجود عدد كبير من أتباعه.
- برر ابن خلدون ضعف انتشار هذا المذهب بسبب اعتماده على الروايات والأحاديث، مما اسهم في تجذّره في البلدان التي تستخدم الروايات مثل العراق والشام.
- أما الشيخ أبو زهرة، فقد أرجع تأخر انتشار المذهب الحنبلي إلى ميل أتباعه للاحتراز من الأمور القضائية.
- لكن المذهب شهد زيادة في انتشاره في المملكة العربية السعودية، حيث اتُخذ كمرجع للتشريع وللقضايا الاقتصادية والقضائية.