الإعجاز البلاغي في كلمتي “معجزة” و”آية”
لقد استخدم القرآن الكريم لفظ “آية” في العديد من المواضع، للإشارة إلى قدرة الله تعالى في الخلق والصنع، بينما لم يُذكر كلمة “معجزة” في القرآن بأي شكل من الأشكال. هذه الكلمة، التي أدخلها العلماء لتعبر عن معنى الآية، رغم عدم ورودها في القرآن لا تمنع استخدامها.
يرى بعض العلماء أن من الشروط الأساسية للمعجزة هو أن تحمل تحدياً، لذا فإن الأمور التي تتم دون نية التحدي مثل المائدة التي نزلت للحواريين بطلب من النبي عيسى -عليه السلام- أو الماء الذي فاض من بين أصابع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليست تعتبر معجزات في وجهة نظرهم. ومع ذلك، يعتقد آخرون أن هذه الأمور تحمل طابع المعجزة على الرغم من عدم وجود تحدٍ مقصود فيها.
الإعجاز البلاغي في فواتح السور
تتكون فواتح السور أو الحروف المقطعة من 14 حرفًا، أي ما يعادل نصف الحروف العربية، ويجمعها التعبير القائل: “نص حكيم قاطع له سرٌ”. العلماء قدموا تفسيرات متعددة لهذه الحروف، منها:
- تكوينها اسم الله الأعظم، الذي لا يعرفه غيره.
- دلالتها على أسماء الله الحسنى، حيث يشير الكاف إلى الحكيم وكبير، والعين ترمز إلى العزيز والعليم، وهكذا.
- تعتبر أسماء للسور التي تبدأ بها.
- تمثل أسماء للقرآن الكريم.
يؤكد غالبية العلماء أن افتتاح بعض السور القرآنية بالحروف المقطعة هو تحد وإعجاز، ووسيلة لإثبات أن القرآن هو كلام الله، حيث أن هذه الحروف تمثل المادة الأساسية للغة العربية.
الإعجاز البلاغي في فواصل الآيات
يتميز القرآن الكريم من خلال تنسيق نصوصه وأسلوبه، حيث إن النظم يمكن إدراكه في جملة واحدة أو كلمة واحدة، بينما الأسلوب يتسم بمرونة أكبر.
كما هو الحال في سورة الفيل، حيث تجمعت جميع عناصر القصة من أحداث وشخصيات مع الحفاظ على عنصر التشويق. وقد انبعث الإعجاز البلاغي من خلال الحفاظ على نغمة نهاية الآيات، حيث انتهت جميعها بحرف اللام المسبوق بالياء مثل: (الفيل، تضليل، أبابيل، سجّيل)، باستثناء كلمة مأكول التي انتهت بالواو ثم اللام.
القرآن الكريم ملتزم ببعض نهايات الآيات بحرف واحد، مثل حرف اللام في سورة محمد وحرف الدال في سورة مريم، وهذا يضفي جمالاً ورونقاً على النص.
الإعجاز البلاغي في التقديم والتأخير
توجد نوعان من التقديم والتأخير:
- تقديم على نية التأخير، كأن يتم تقديم المفعول على الفاعل، دون تغيير في الإعراب، مثل: أكل خبزاً الرجلُ، أو أكل الرجلُ خبزاً.
- تقديم لا على نية التأخير، مثل: علي الكاتب أو الكاتب علي، هنا يتغير الإعراب نتيجة للتقديم والتأخير.
مثل ذلك في قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، حيث تم تقديم المفعول (إياك) على الفعل لسببين:
- لإظهار اختصاص العبادة لله وحده.
- لإبراز الاهتمام به.
كمثال آخر في قوله تعالى: (قُلْ هُوَ الرَّحْمَـنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا)، هنا تم تقديم الجار والمجرور (به) على الفعل (آمنا) وأخر الجار والمجرور (عليه) عن الفعل (توكّلنا). ووفقاً لما قاله الدكتور فاضل السامرائي، ذلك لأن الإيمان يتطلب الإيمان بالله ورسله وكتبه، بينما التوكل يجب أن يكون على الله فقط.
الإعجاز البلاغي في دقة معاني المفردات
حرص القرآن الكريم على دقة اللفظ، ويظهر ذلك في النقاط التالية:
- الكلمة في اللغة قد تعبر عن حالتها، مثل قوله -تعالى-: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ)؛ حيث تعبر كلمة “الحيوان” عن الحركة والاضطراب، مما يجعلها أكثر توافقًا مع الحياة.
- الإضافة في الكلمات تحمل معاني إضافية، كما في قوله -تعالى-: (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ)، هنا تشير الزيادة في الفعل (رحم) إلى معنى أوسع، مما يميز بين الرحمن والرحيم.