خصال أبي عبيدة الأمانة
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متحدثًا عن أبي عبيدة: (لكل أُمّة أمين، وأمين هذه الأمّة أبو عبيدة بن الجراح). وتظهر أمانة أبي عبيدة من خلال رعايته للمسؤوليات والمهام الموكلة إليه؛ ففي غزوة أحد، أدرك أن هدف المشركين هو النيل من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبقي قريباً منه، يدافع عنه ويواجه الأعداء في سبيل حمايته. وكان إذا اضطر للابتعاد عنه، يبقي نظره متوجهاً نحو الرسول؛ فإن شعر بوجود خطر يقترب منه، كان يسارع للدفاع عنه.
ثم أحاطت مجموعة من المشركين بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، ورأى أبو عبيدة سهماً متجهاً نحو الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فحاول بكل ما لديه أن يخلصه من المشركين لكن لم يتمكن من الوصول إليه قبل أن يُغرس السهم في وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- وينزف دمًا، وقد دخلت حلقات المغفر -وهو رداء من حديد يُرتدى تحت القبعة- في وجنتي الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
عندما وصل أبو بكر الصديق لمساعدة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، طلب منه أبو عبيدة أن يقوم هو بنفسه بنزع الحلقات من وجنتي النبي، وقد جاء في الحديث الذي رواه حذيفة بن اليمان: (جاء أهل نجران إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: يا رسول الله، ابعث إلينا رجلاً أميناً، فقال: لأبعثن إليكم رجلاً أمينًا حق أمين، فاستشرف لها الناس، فبعث أبا عبيدة بن الجراح).
خصال أبي عبيدة التواضع
روى ثابت البناني أن أبو عبيدة كان أميرًا على الشام، وخطب ذات يوم قائلاً: والله ما منكم أحد يفضلني بتقوى إلا وددت أن أكون في سلامه. وفي أثناء الطاعون الذي أصاب عمواس، كتب إليه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بأنه يحتاج إليه، وطالبه بالقدوم، إلا أن أبا عبيدة كان في مكان تفشى فيه الطاعون، ويدرك أن عمر يريد إبعاده عن المرض، فرد عليه بقوله: (إنني في جند من المسلمين لن أرغب بنفسي عنهم)، فبكى عمر عندما قرأ ما كتبه أبو عبيدة، ثم علم بوفاته.
صفات أخرى لأبي عبيدة
كان أبو عبيدة -رضي الله عنه- من أقرب الناس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ففي الحديث الذي روته عائشة -رضي الله عنها- عندما سُئلت عن أحب الصحابة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، قالت: أبو بكر. ثم سُئلت: ثم من؟ فأجاب: ثم عمر. وعندما سُئلت: ثم من؟ أجابت: ثم أبو عبيدة بن الجراح. كان لهذه المكانة تأثيرها في تعظيم الصحابة واحترامهم لأبي عبيدة، حيث قام أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بإرساله بعد حروب الردة إلى معركة أجنادين التي انتهت بنصر المسلمين، كما عينه على العديد من المعارك الأخرى.
وكان أبو عبيدة -رضي الله عنه- متصفًا بحسن الخلق، دائمًا ما يقدم مصلحة المجتمع على مصلحته الشخصية، مبتعدًا عن أسباب الخلاف والنزاع، متبعًا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا). كما عُرف عنه كرم العطاء في سبيل الله، حتى أنه لم يحتفظ بشيء من المال الذي أرسله إليه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، بل قام بتوزيعه بالكامل.
تعريف بأبي عبيدة
اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح، وأمه أميمة بنت غنم، ويُعتبر من أوائل من أسلم؛ حيث أسلم على يد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وبايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يدخل رسول الله دار الأرقم. كان من بين المهاجرين إلى الحبشة في الهجرة الثانية، ثم عاد ليشارك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة بدر وما تلاها من الغزوات، واستمر في الجهاد بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع الخلفاء الراشدين.
تميز أبو عبيدة -رضي الله عنه- برحمته بالمؤمنين وشدته على الكافرين، وكان من العشرة المشهود لهم بالجنة. كما يجتمع نسبه مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في فهر. روى الكثير من الأحاديث عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقد أشار إليه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في سقيفة بني ساعدة عند اختيار الخليفة فقال: (وأرضى لكم أحد الرجلين) في إشارة إلى عمر أو أبو عبيدة -رضي الله عنهما-. وقد أطلق عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- لقب “أمين الأمة”، رضي الله عنه وأرضاه.