النوع الأول: الأمثال الظاهرة في القرآن الكريم
يهدف البلاغيون من استخدام الأمثال أمام جمهورهم إلى تقديم أفكار معقدة بأسلوب ملموس ومألوف، مما يسهل على الناس تصورها وفهمها. هذه الأمثال تأخذ ما هو غير مرئي وتظهره في صورة ماثلة تتوافق مع الخبرات اليومية. ومن الأمثلة الدالة على هذا النوع في القرآن الكريم ما سيتم توضيحه أدناه:
- مثل العبد المؤمن كالأرض الطيبة والآخر كالخبيث
قال -تعالى-: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا). هنا نجد أن العبد المؤمن، الذي يتسم بصفاء القلب، يتقبل الآيات الإلهية برحابة، مما يؤدي إلى زيادة إيمانه وازدهار أعماله الصالحة. بينما نجد أن العبد الآخر مهما نزلت عليه الأمطار، فإنه لا يخرج إلا النباتات الضارة القليلة الفائدة.
- مثل حامل العلم الذي لا ينتفع بعلمه كالحمار يحمل كتباً
قال -تعالى-: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا). المتحدث هنا عن الذين يقرؤون القرآن الكريم دون أن يسعوا لفهمه أو تطبيقه، ويظهرون جمودًا في تفكيرهم كحال الحمار الذي يحمل كتباً بلا فائدة.
النوع الثاني: الأمثال الكامنة في القرآن الكريم
يمكن أن يستعمل البلاغيون تعابير جذابة يتداولها الأفراد من مختلف الشرائح المجتمعية، حتى تصبح من البديهيات العقلانية التي تُستخدم كأدلة. هذا النوع من الأمثال يكون كامنًا وغير ظاهر كما هو الحال في النوع الأول. ومن الأمثلة التي يتم تناولها في القرآن الكريم ما يلي:
- مثل: “خير الأمور أوساطها”
هذا المثل موجود في قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا).
- مثل: “مَن جهل شيئاً عاداه”
يوجد هذا المثل أيضاً في القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ).
- مثل: “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”
وَيجِد هذا المثل في قوله -تعالى-: (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ).
النوع الثالث: الأمثال المرسلة في القرآن الكريم
يمكن أن يستخدم البلاغيون تشبيهات ضمنية تعزز المعاني التي يرغبون في إيصالها، بهدف التعبير عن الأفكار بطريقة غير مباشرة، مدعومة بأدلة واضحة. هذه التشبيهات تسير على منوال الحكم. ومن الأمثلة على ذلك في القرآن الكريم:
- (لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ)
يمكن استخدام هذه الآية في الإشارة إلى العجز عن مواجهة التحديات، مع انتظار الفرج من الله -تعالى- بأسلوب غير عادي.
- (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ)
تُستخدم هذه الآية عند مخاطبة شخص يشعر بالدهشة من وقوع عقوبة عليه نتيجة فعل أقدم عليه، مما يبين استحقاقه لما حدث.
- (قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ)
يمكن استحضار هذه الآية لتأكيد حسم المسألة محل النقاش، ولتجنب الجدال الذي لا فائدة منه، حيث يتضح الأمر وينتهي حكمه.
- (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)
تُستخدم هذه الآية في معاتبة من يُوعد بشيء سيأتي قريبًا، بينما يرغب في مجيئه في أقرب وقت ممكن.